عن الحب سأكتب (مرثية القلوب السامة)

للشاعر و الناقد المغربي عمر علوي ناسنا

الشاعر والناقد عمر علوي ناسنا

   تدوين نيوز – خاص

مقال ممنوع على بقايا الرومانسيين في متحف الحب

  للحب طرق ثلاثة وحظك منه رهين بأي الطرق تسلك إليه:

  • طريق الفلسفة والعلم.
  • طريق الفن.
  • طريق الجهل.

يسير الحب في طرقات شتى هي الطرقات التي يصنعها موضوعه قد يكون موضوعه المال أو السلطة أو بعض من البشر أو الله أو الحيوان أو أشياء مما يتعلق به الناس، لكن موضوعنا هنا هو الحب الذي موضوعه المرأة والحب الذي موضوعه الرجل.

ومناط القصد هنا هو طريقان في الحب فالفلسفة تعري وتهجو والفن يحجب ويمدح، وفي كل حديث عن الحب لا مهرب من الطريقين وحظك من علاقتك بالحب رهين حتما بأي الطرق تسلك إليه وهما معا طريقان لا نصيب للذة فيهما ماعدا تلك اللذة الجمالية التي يحققها الكشف وتضمنها المعرفة أما الطريق الوحيد الذي يجعلك تظفر بلذة في الحب فهو الطريق الذي يحمل اسم طريق الجهل والبلاهة.

الطريق الأول، الفلسفة: الحب استمناء الرغبة بالثقافة.

حين تكون خلفيتك عن الحب خلفية فلسفية، تغذت على نيتشه وشوبنهور تحديدا ثم بعد ذلك شربت من جداول التصوف، ثم نهلت بشكل غير متوقع من كل الثقافات التي يقال عنها إنها بدائية أو حيوانية أو حتى كانيبالية، وأخيرا متحت من كل الحقائق التي كشفتها البيولوجيا والعلوم الطبية الحديثة، حين تكون خلفيتك عن الحب هي كل هذا، فحتما سيكون الحب معضلة وجودية في حياتك وستكون وبالا على من تحب وسيكون من يحبك وبالا عليك.

ستحاول أن تقنع نفسك عبثا بأنك قادر على أن تحب، لكنك لا تستطيع حتما أن تفرغ ذاكرتك وعقلك وكيانك من كل تلك الجداول التي تغذي فهمك وتصورك للحب.

 إن أفظع ما يقع لكل من تشرب من هذه الخلفيات جميعها هو أنه يصبح مادة سامة، إنه يصبح بشكل ما غير قابل للهضم ولا للاستضمار، خطر هو وعدو لكل من يريد أن يحب بسلام.

يختصر شوبنهور الطريق على العشاق حين يتسلل إلى المطبخ السري ويجعلهم يفهمون أنه خلف الوجبة الدسمة ثمة مصيدة وفخ عظيم، هو فخ الطبيعة، وما الحب إلا وهم تمنحه الإرادة للناس كي يحافظوا على بقاء النوع.

 فتراجيديا مواجهة الإنسان لحقيقته ولوعيه بحقيقته هي التي جعلته يختلف عن الحيوان، من هنا، لم يكن ممكنا الذهاب للجنس بطريقة مباشرة، لذلك فالحب هو الشكل المقبول ثقافيا للرغبة الجنسية، كل هذا يجعل تصوره  يكتسب كثيرا من المصداقية حين يصرح بكون الغريزة الجنسية هي سبب للحرب وهدف للسلام.

أما نيتشه فيكشف في الحب جنون التملك، وما الحب إلا قناع ثقافي لوحش التملك وجبروت السيطرة.

عندما نشاهد شخصا يتألم ننتهز الفرصة السانحة لتملكه، والعاشق أيضا يريد تملك محبوبه تملكا يقتصر عليه وحده، ويضرب مثاله الشهير عن الحب حين يشبهه بالتنين الذي يحرس كنز العاشق.

ولعل لوتشيني  على درجة من الصواب حين اعتبر أنه  في كل علاقة بين شخصين هناك ثالث هو ( (le couple كل علاقة حب لا يمكن أن يكون فيها اثنان فقط بل لابد من ثالث وغالبا هذا الثالث فيه تتجلى الصناعة الاجتماعية والثقافية للحب، إنه يتشكل من كل التصورات والتمثلات عن الحب وبقدر ما يكون هذا الثالث مثاليا بقدر ما يجد الطرفان صعوبة في أن يمشي حبهما على الأرض.

الطريق الثاني، الفن يضع المكياج للحب:

يعمل الفن دائما ك(ماكياجيست) للحب، وهو في كل ذلك يتوسل طريق المجاز والاستعارة، يأخذ الفن كل وقته ليجعل من الحب موضوعا فنيا جماليا، وهو هنا يتوسل كثيرا من الحيل النفسية والجمالية وينهل من الرموز والأساطير ليصنع موضوعه الجميل: موضوع الحب.

قد يستعير من السادية سياطها ومساميرها وكل أدوات سفح الدم والدمع وكل أشكال التعذيب الممكنة التي تصور المُحِب في حالات تنزف فيها الروح ويتلوى الجسد ألما، وقد يستعير من المازوشية أسلحتها وغواياتها النفسية والجمالية، وقد يرقى بموضوعه نحو مثاليات سماوية تختلط فيها صورة المحبوب بصورة الله، وتتقاطع فيها تفاصيل المعشوق مع آلهة الأولمب.

يصنع الشاعر الحب وهو يصنع قصيدته، حتى أنه يصبح غير معني بقدرة هذا الحب على المشي في طرقات الحياة، الحب في القصيدة يعمل لحسابه الخاص، لحساب جمالياته التي تصنع له كيانا وفضاء رمزيا يجعلك تقيم فيه وتجد لذتك في تذوق جمالياته حتى أنك تستغني به عن الحب نفسه.

الطريق الثالث،الجهل، الإمكانية الوحيدة للاستمتاع بالحب وإغلاق عيادات الطب النفسي:

يحتاج الحب الذي نعنيه هنا إلى جرعات كبيرة من الجهل، وإلى قدر غير يسير من البلاهة، وبقدر ما تكون فيك درجة الجهل ومقدار البلاهة، يكون حظك من الحب.

إن الجهل نعمة يقوم على أساسها الحب، وحين أقول الجهل فأنا أقصد به تحديدا أن ينمو خارج كل الذي تحدثنا عنه وأن يبتعد قدر الإمكان عن الفلسفة وعن التصوف ويحاول ما وسعه ذلك تجاهل البيولوجيا والعلوم الطبية الحديثة.

يحقق التصور الأبله للرومانسية هذا الغرض النبيل لإقامة امبراطورية المحبين، بوسعك دائما الاستعانة بالأغاني التي تحتفي بستائر الدانتيل الشفافة، وتراقص الأضواء الملونة، مع الاستعانة دائما بذلك الحصان الأبيض، الذي يمتطيه فارس ينبغي عليك أن تشذبه دائما من كل النقائص البشرية: الشخير ليلا، الضراط كرعشة جنسية للأمعاء، أكل وجبات شعبية لا تصلح كخلفية غذائية لفارس تم إخصاء معدته مثل تماثيل الآلهة التي لا يشوه ما بين فخديها ذلك النتوء البشري البغيض.

وحيث بوسع العاشق أن يطمئن إلى أن محبوبته ستنشغل بعطر الورود ولن تفطن أبدا للشوك المنتصب، وحيث دائما يمكن للدمع أن يشتغل كأجير مؤقت يحمل الرغبة على ظهره ويصعد بها على حيث انفتاحات الرخام.

يكتم الجهل صراخ الهورمونات، ويضفي لمسة سحرية على طين الجسد، ويلتقط دائما صوره أمام خلفية بلهاء فيها دائما لحظة غروب شمس يخفت ضوءها كي لا يحترق الحب، ذلك الحب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى