عوائل المغيبين، يطحنون تحت رحى الآجراءات الآدارية والروتين
استبرق الزبيدي - ديالى

تدوين نيوز – خاص

ذوي المغيبين في العراق يعانون منذ عقود من سلسلة الإجراءات الإدارية المعقدة التي تفرضها المؤسستين القضائية والآمنية، لتكييف اوضاعهم القانونية وتنظيم احوالهم الشخصية بغياب التشريعات القانونية اللازمة، ذوو مغيبين وحقوقيون ومسؤولون عراقيون قالوا.
العراق من البلدان التي عانت من ويلات الحروب والصراعات السياسية منذ خمسة عقود، ما تسبب بتغييب عشرات الآلاف من الآشخاص عبر البلاد. بعثة الآمم المتحدة في العراق ومنظمات حقوقية دولية تقدر اختفاء ما بين ٢٥٠ الفا – مليون شخص بما فيهم مغيبين قسريا منذ عام ١٩٦٨.
علي الرغم من استحداث العراق لمؤسسة الشهداء عام ٢٠٠٥ والمعنية بمتابعة أوضاع ذوي شهداء حزب البعث المحظور وضحايا العمليات الإرهابية، وتعديله لقانون المؤسسة عام ٢٠١٥ ليشمل المفقودين والمختطفين نتيجة للعمليات الإرهابية، الا ان وضع المغيبين الذين لم يتحدد مصيرهم قانونيا، لا زال معلقا.
غياب التشريعات والتعديلات القانونية المطلوبة لتحديد الوضع القانوني للمغيبين بما فيهم المغيبين قسريا وتنظيم الأحوال الشخصية لذويهم وخاصة الآبناء والزوجة، ما فتئ يضاعف الأعباء الملقاة على كاهل ذوي الضحايا ويعرقل عودتهم لممارسة حياتهم الطبيعية.
الآلاف من ذوو الضحايا يشكون من مواجهتهم لصعوبات كبيرة تتعلق بتجديد اوراقهم الثبوتية او تآمين الوثائق اللازمة لمنح الوصاية لزوجة المغيب على اطفالها او متابعة شؤون اطفالهن واستحصال حقوقهم المالية والمعنوية، نتيجة لغياب التشريعات او التعديلات القانونية اللازمة لحسم هذا الموضوع.
ام نور التي اختطف زوجها من قبل مجموعة تستخدم عجلات مشابهة للعجلات الحكومية في كانون الآول ٢٠١٦ من محله في قضاء المقدادية، ٩٠ كلم شمال شرق بغداد تدور في حلقة مفرغة منذ سنوات نتيجة لتغييب زوجها ورفض المؤسستين الآمنية والقضائية تكييف الآحوال الشخصية لغياب الآب وعدم توفر مادة قانونية او تعليمات واضحة تقترح المعالجات اللازمة في مثل هكذا حالات.
تقول ام نور :”لا نعرف عن زوجي شيئا منذ ذلك اليوم…عقلي لا يتقبل فكرة انني لن اراه مجددا،”
صباح، الزوج المختطف خلف ورائه ستة اطفال اكبرهم فتاة تدعى نور كانت في الحادية عشرة من عمرها عندما غاب والدها. بحثت عائلته عنه في كل مكان بما فيه الدوائر الآمنية ومراكز الآعتقال والسجون، “لكنه لم يكن مسجلا في اي منها، كما لم تظهر قاعدة المعلومات الآمنية المركزية ان صباح كان مطلوب لآي جهاز امني” تقول ام نور.
العثور علي اية معلومات تكشف عن المصير الذي انتهى اليه صباح لم يعد هو الهم الآكبر لآم نور، فالآطفال كبروا وصار تكييف الوضع القانوني لها ولهم هو المعضلة التي باتت تصطدم بها والتي صارت اولوية قصوى بالنسبة لها، ليتسنى لها رعاية مصالحهم ومتابعة شؤونهم.
المشكلة بدآت عام ٢٠١٩، تقول ام نور، عندما صار عمر ابنها الأصغر مسلم، ست سنوات وارادت تسجيله بالمدرسة. إدارة المدرسة رفضت تسجيله ما لم يحضر والده بآعتباره ولي الآمر وفقا للقوانين العراقية النافذة او يتم احضار أوراق الوالد الثبوتية في حالة غيابه او حجة وصاية الآم على الطفل كجزء من الوثائق المطلوبة “الا ان تآمين تلك الوثائق في الوقت المطلوب كان صعبا” بحسب ام نور.
المشكلة التي تواجه ام نور الآن تتمثل بقرار وزارة الداخلية الذي صدر في شباط والقاضي بإلغاء العمل بجميع المستمسكات الثبوتية القديمة للعراقيين واستبدالها بالهوية الوطنية الموحدة، ما يعني الحضور الإلزامي للآب او تقديم شهادة وفاته ونقل الوصاية على الأطفال القصر للآم او الجد من طرف الاب.
“منذ أشهر ونحن نتنقل بين بغداد وديالى لآكمال اجراءات استخراج البطاقة الوطنية الموحدة لي وللآطفال. بدآت من مركز الشرطة الذي سجلنا فيه بلاغ عن اختفاء صباح في المقدادية مرورا بالحاسبة المركزية في بغداد وليس انتهاءا بدائرة الجنسية في ديالى”.
على الرغم من اعتماد القضاء العراقي لثلاثين تشريعا تتراوح ما بين احكام الدستور والقوانين النافذة والتعليمات – بحسب تقرير لجنة الآمم المتحدة المعنية بقضايا الآختفاء القسري- لتكييف هذا النوع من القضايا، الا ان اي منها لم يعالج بشكل جذري المشاكل القانونية والمالية والمعنوية التي يعاني منها ذوي الضحايا.
المدير التنفيذي لمؤسسة الحق لحقوق الأنسان، وهي منظمة محلية غير حكومية تنشط في ديالى، الحقوقي عمر العلواني يقول، يقول انهم يتلقون الكثير من الشكاوى من ذوي المغيبين بسبب تعقيد الآجراءات المتعلقة بتكييف الوضع القانوني لذوي الضحايا، فالقانون العراقي يشترط تقديم شكوى تفيد بآختفاء الضحية وهذه بدورها تحال الى القاضي المختص الذي يحيلها بدوره الى الاجهزة الامنية ومديرية المنافذ الحدودية والمستشفيات والسجون للبحث عن الضحية والتحقق من وضعه القانوني في نفس الوقت.
“إجراءات البحث عن الضحية والتحقق من وضعه الآمني تستغرق وقتا طويلا قد يمتد لآشهر او سنوات، وغالبا لا تتوفر اية معلومات عن الشخص المعني لدى الدوائر التي يتم مخاطبتها، فلا يحصل ذويه على اجابة” يقول العلواني.
وفي حال ورود الآجابة، بحسب العلواني، فآن نقل الوصاية للآم يشترط اعتبار الآب متوفيا وهذا يعني عدم الشروع بآية إجراءات لنقل الوصاية للآم الا بعد مرور سنتين من تاريخ تسجيل بلاغ الآختفاء.
لا تنتهي معاناة زوجة الضحية وابنائه بآنتهاء الآربعة وعشرين شهرا المنصوص عليها في ضوابط نقل الوصاية، فالقانون يشترط مثول والدي المغيب امام القضاء للموافقة خطيا على اصدار شهادة وفاة لآبنهم.
يقول العلواني، ان غالبية الآباء والآمهات يرفضون الموافقة على اصدار شهادة وفاة لآبنهم ويصرون على انه قد يكون حيا ويعود في اية لحظة، “وفي هذه الحالة تتعرقل اجراءات اصدار شهادة الوفاة” وتعود الزوجة والآبناء الى نقطة الصفر.
تقول ام نورك:”رفضنا انا وعائلة زوجي اصدار شهادة وفاة لصباح طيلة السنوات الماضية الا اننا لم نجد بديلا قانونيا لهذا الآجراء فرضخنا في النهاية”.
استصدار جوازات السفر باتت معضلة هي الآخرى يواجهها ذوي المغيبين، فالتعليمات المعمول بها في مديرية اصدار الجوازات تشترط حضور الآب وتوقيعه للموافقة على اصدار جوازات سفر للزوجة والآبناء خاصة القصر والفتيات غير المتزوجات.
“عملية اصدار جواز السفر يتطلب حضور ولي الآمر شخصيا او توفر مستمسكاته الثبوتية في حال كان متوفيا، وبخلافه لا يمكن اتمام هذه العملية،” يقول احد ضباط مديرية الجوازات في ديالى والذي فضل عدم ذكر اسمه لآنه غير مخول بالحديث للصحافة.
“يواجه ابناء المغيبين صعوبة كبيرة في استصدار الجوازات لغياب الآب في هذه الحالة… حتى في حال حصول الآم على الوصاية (على اطفالها)، يقضي القانون بآستحصال موافقة القاضي (المختص) على اصدار جواز السفر”.