” فضاء المعرض الأخير ” نص للشاعر نصير الشيخ

الشاعر نصير الشيخ

تدوين نيوز – خاص ـــ المكان تتوزع جدرانه لوحات زيتية ،وأخرٌتنتظُر ُأن تعلق على الالواح الخشبية ..ثمة روح تطوف هذا المكان، والحيرة تتوزع وجوه الحاضرين الثلاثة ” الصورة”…

هذا مساء مغايرٌ والمكان تفوح منه رائحة الزيت وبهجة الألوان ، لكن أية بهجة ظلت فهي اودعت سرها خارج القاعة،وراحت في اغفاءةٍ مع قطرات الندى المسائية على أغصان الأس في حدائقه .

روح الرسام تطوف أجواء القاعة وآضوائها تشتتُ رفيف أجنحتهِ، اللوحات المعلقة ترسلُ صداها فيرتد في القاعة حضوراً أليفاً ومفتقداً في اللحظة ذاتها.الاصحاب الثلاثة كل منهم أخذ حيزه الوجودي في وسطها. وجوههم أضاعت شيئاً ثميناً وأفلت من ايديهمُ حبل قارب أخذ منهم بعيدا ..بعيدا ذلك الرسام الذي أحبوه،ذلك الذي رسم وطناً بحجم الفرح والأمنيات ولّوّن الدروب بخضرتهِ،ورسام الوجوه المطلةِ على غدٍ قد سُرق في ليل الحروب.

تراتبية جلوس الحاضرين تزيد من حيرتهم هذا البناء الهرمي المسرحي والذي يشي بتوزيع الدور على كل واحد منهم .” ماجد الأميري” في أعلى الهرم ممسكاً زمنا مراوغاً بين أصابعه وحزن عراقي خفيض ينزُ من عينيهِ معانقاً أرضية القاعة،وكأنه يشير لاشعورياً ..إن ،، يا أرضُ ترفقي بجسد الأميرالذي أنغرسَ فيكِ.والذي يسندُ ظهره على صاحبه متوسطاً هرمَ الحيرة ” عصام حسين” ينظرُ بترقبً نحو باب القاعةِ،متأملاً شيئاً سيحدثُ وربما رواده اللحظة ، هل سيعود الأميريعلق ُ معنا ماتبقى من لوحاته كي يكتمل المعرض / المشهد.مرفقاً حضوره بأبتسامة عهدناها منه كل هذا العمر؟ لكن عينيّ عصام تقطع الشك باليقين ..أيها الزمن ُلن تعود أبدا ،ولن يمرعبر باب القاعة الزجاجي أي ظلٍ أو حفيف .

أما من أفترشَ الأرض واسند عمره واتكأ على يده اليمنى ،حاملا حزنه الخفي ومكمن صرخته في أعماق جسده النحيف، فقد اطلق نظرة حيرى تجاه كوة ٍفي سقف القاعة ،لكأنه يرقب بدهشة رفيف أجنحة الأميروهي تحلق في طواف سرمدي،مبتهجة بحضورها اللوني، مثخنة بدمها الزكي وغيابها الأبدي .

اللوحة الغارقة في دكنتها وزرقة عوالمها إختزلت حيرة الأصحاب الثلاثة الحاضرين في هذا المحفل اللوني.ثمة طائر ابيض يشق فضاءهُ نحو مصدر النور،لكأن روح الأميرخرجت من إطار اللوحة وظلت محلقة ً في محيط المبنى .معانقة سماواتها تنظر في صمت ودهشة للوحاتها الزيتية التي نطقت عمرا بحلمها وأمنياتها وابداعها.

هبط المساء على أغصان الأس في رواق المبنى ،اللوحات معلقة على ” بارتشنات” المعرض ،والزمن وساعاته يتوقفان عن السابعة من مساء 8 / 11/ 1991.تحلقُ الروح عاليا ،والقارب ينأى بعيداً بروح الأمير والوانه واحلامه نحو الأبدية .

….. ” ماجد الأميري ” عابراً نحو نهاياتِ الشمال الأفريقي ،حاملاً ذكرياته وحقائبه وصرة من حكايا جدتهِ والواحا من اساطير وادي الرافدين ليستقر في المغرب العربي.

و” عصام حسين” أستقل أقرب حافلة بعد موعدنا مشرعاً نحو مطارات الدنيا،ليحتفل وحيدا هناك في مدن السويد ولندن ويشعل شمعة نذراً للأحبة .

والذي أفترش الأرض، التحف القصيدة رواقا ومعبدا ًيتجلى فيهما من سلافة الشعر والكتابة ، حاملا صليبه عبر دروب الوطن المثخن بجراحهِ.

* المكان / جمعية التشكيليين العراقيين ــ بغداد ــ المنصور.

الزمان ــ 8 / 11/ 1991 تحضيرات افتتاح معرض الفنان الشهيد أمير الشيخ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى