قصيدة “الغراب” شعر أدغار الن بو ترجمة رعد زامل

الشاعر والمترجم رعد زامل

 

 

 

 

 

ذات مرة

محزوناً عند إنتصاف الليل

بينما كنتُ ناحِلاً ومُضنىً

أتأمل بوافِر الطريف

والغريب من مُجَلّدات معرفة منسية

بينما أنود برأسَي

وقد دبَّ النعاس 

وإذ بنقر خفيف 

كمن برفق على حين غرة يطرق الباب

قائلاً  تمتمتُّ: ” إنه زائرٌ ما ..

يطرق باب غرفتي ”

لم يكن ينقصني سوى هذا

هذا ما كان

ولا يَعدُو أنْ يَكُونَ….

 ***     ***

آه، من غير ريبٍّ أتذكر

 ذلك في ديسمبر القارس

قد كان ……

وكل جَذوَة بائِدة مُنعَزِلة ب تلقي شبحها على الأرض

 على شغف تمنيت الصباح؛ ومن كتبي عبثاَ ما لاح

إذ توخيت منها أن تكفَّ الحزن عني

حزني على لينور التي ضاعت

نادرة ومشرقة

هذه التي تسميها الملائكة لينور

هذه اللا تُسمّى

هنا وإلى الأبد ….

 ***           ****

ولكل ستارة ارجوانية من الحرير حفيفٌ

 حزين ومبهم،

كان يغمرني – يملأني رعباً

رعباً رائعا لا عهد لي به من قبل

ومن أجل أن أهدئ من روعي، وقفت مردداً

“إنه زائر ما عند باب غرفتي يتوسل الدخول

زائر متأخر متوسلاً الدخول عند باب غرفتي

إنه زائر…

ليس أكثر…..

 ****              ****

روحي عاجِلاً أصبحت أقوى. وفي تردد لم تعد

قلت: ” أسيداً، أم سيدة ؟، منك حقاً ألتمس العفو

أنا في غفوة، وأنت برفق طارقاً قد أتيت،

بخافت الصوت أتيت تنقر وتنقر على باب غرفتي،

حتى بالكاد أنني سمعتك “- وعلى مصراعيه؛

لمّا فتحت الباب ….

وحده كان الظلام

ليس أكثر…..

   ****                ****

وبجوف ذاك الظلام محدقاً، طويلاً وقفت خائفاً في ذهول

مُرتاباً وحالماً بأحلام لم يجرؤ إنسان عليها من قبل؛

 لكن الصمت لم ينقطع، وما من دليل للسكون،

وليس سوى كلمة همساً تُقال

 إنها “لينور؟ ”

فهمستُ بها، ومن ورائي مغمغماً

يردد الصدى “لينور!” –

هذا فقط …. ولا شيء أكثر.

 ***                ***

راجعاً إلى الغرفة إستدرتُ، وروحي في إشتعال ،

بعد فترة سمعت نقراً أشدّ من ذي قبل.

 قلت: “بالتأكيد، هذا بالتأكيد شيء في مشبك نافذتي؛

 دعني أرى، إذن، ما ذلك الشيء، وأحل هذا اللغز

دع قلبي ساكناً للحظة وأكشف اللغز

  ” إنها الريح …  الريح وليس أكثر!”

 ***                ***

فاتحاً هنا ألقيت بالمزلاج، عندما بمداعبة ورفرفة كثيرة،

تقدم من غابر الأيام؛ غراب مهيب

 بلا أدنى انحناءة توقير. ما توقف لدقيقة ولا ظلّ

 لكن بطلعة، سيد أو سيدة، جثم فوق باب غرفتي-

جاثماً على تمثال نصفي لبالاس فوق باب غرفتي تماماً

 جثم جالساً ولا شيء أكثر.

 ***                ***

ثم هذا الطائر الفاحم وقد فتن خيالي الحزين فحوله إلى ابتسام،

بالرزانة واللياقة الصارمة على محياه

قلت: “مع أن عرفك مجزوز حليق، فلست رعديداً بالتأكيد،

أغراب كئيب وقديم يتجول من الشاطئ ليلاً!

فهلا أخبرتني عن اسمك الفخم على شاطئ الليل البلوتوني! “

فقال الغراب: ” أبداً بَعْدَ اليوم “

 ***               ***

 عجباً لطير صعب مراسه بوضوح يسمع الخطاب،

رغم أن إجابته شحيحة المعنى – وقد حملت صلة طفيفة

 ليس بوسعنا إلا أن نوافق على أنه ما من إنسان حي

 حتى الآن ينعم برؤية طير فوق باب غرفته –

طائر أو بهيمة على تمثال نصفي منحوت فوق باب غرفته،

طائر اسمه: “أبداً بَعْدَ اليوم “

 ***               ***

غير  ان الغراب، هادئ ووحيد جالساً على التمثال النصفي ،

 تفوه بتلك الكلمة فقط، كما لو أنه صبَّ روحه كلها في الكلمة.

 لا شيء أبعد من ذلك قال – لا ريشة رفرفت –

حتى تمتمّ بالكاد أكثر “لقد طار الأصدقاء الآخرون من قبل –

في الغد سيتركني، كما حلقت آمالي من قبل “.

 ثمَّ أنَّ الطائر قال:

” أبداً بَعْدَ اليوم “.

 ***               ***

منذهلاً من السكون الذي كسره الرد الذي قيل بجدارة،

لا ريب، قلت أن ما ينطق به هو ذخره وذخيرته

 تمَّ القبض عليه من سيد غير سعيد كارثته لا ترحم

 تتبعه أسرع فأسرع حتى حملت أغانيه عبئاً واحداً

حتى ترنيمة أمله تحمل ذلك العبء الكئيب

 عبءَ ” أبداً – أبداً بَعْدَ اليوم “.

 ***               ***

لكن الغراب وما يزال يخدع كل خيالي بالإبتسام،

مباشرة قمت بدفع مقعد مبطن أمام طائر، وتمثال نصفي وباب.

 ثم، غرقاً على المخمل، لجأت إلى نفسي أشدُّ

الخيال بالخيال، مفكراً بما يعنيه هذا الطائر المشؤوم من الماضي –

هذا الطائر القاتم، الشرير، المروع، الهزيل، والمشؤوم في الماضي

بما يعنيه وهو ينعق ب: “ أبداً بَعْدَ اليوم “.

 ***               ***

منهمكاً جلست في التخمين، لكن لا يوجد مقطع لفظي

إلى الطائر الذي احترقت عيناه الناريتان في لبِّ صدري؛

هذا وأكثر جلست متكئاً برأسي مستشعرا

على بطانة الوسادة المخملية التي يلمع بها ضوء المصباح،

شاعراً بالارتياح على البطانة المخملية البنفسجية

التي يلمع بها ضوء المصباح،                 

هل هي ستضغط. آه، أبداً بَعْدَ اليوم.

 ***               ***

ثمّ، بدا الهواء لي، أثقل، معطراً من مبخرة لا تُرى

وألقت به ملائكة العرش التي يرن وقع أقدمها على الأرضية المنفوشة.

وقد صرخت أيا “بائساً،” إلهك قد أعارك

وبهذه الملائكة قد أرسلك،

 عليك بالراحة- الراحة ودواء النسيان من ذكرياتك عن لينور

اشرب دواء السلوان هذا وانس لينور التي ضاعت

غير أنَّ الغراب قال: أبداً بَعْدَ اليوم.

 ***               ***

“يا للرسول!” قلتُ: “شيء من الشر! تبقى رسولا، أطائراً كنت أو شيطانًا! –

وسواء أرسلك غاو، أم قذفت بك عاصفة على الشاطئ،

 أيها المهجور والباسل مع ذلك، على هذه الأرض المقفرة مسحورا

 في هذا المنزل المسكون بالرعب – أخبرني، حقاً أتوسل

أما من – أما من بلسم في جلعاد؟ – أناشدك – أخبرني، أنا المتوسل اليك! “

فقال الغراب: أبداً بَعْدَ اليوم.

    ***               ***    

“يا للرسول!” قلتُ: “شيء من الشر! تبقى رسولا، أطائراً كنت أو شيطانًا!

بحق ما انحنى فوقنا من سماء – وبحق الله الذي كلانا يعبده

 أخبر هذه الروح المثقلة بالحزن، أفي عدن البعيدة،

إن كانت روحي ستعانق الصبية القديسة تلك التي تسميها الملائكة لينور؟

أتعانق صبية نادرة ومشرقة تسميها الملائكة لينور “؟

فقال الغراب: لا أبداً بَعْدَ اليوم

   ***               ***    

“الا فلتكن تلك الكلمة علامة فراقنا، أطائر أم روح شريرة!” صرخت، أيها الدعي:

“عد أدراجك إلى العاصفة وألى الشاطئ البلوتوني الليل!

 لا تترك ريشة سوداء دليلاً على كذبتك التي نطقت بها روحك!

 اترك وحدتي موصولة! –  واقلع عن التمثال النصفي فوق بابي!

خذ منقارك من قلبي، وأغرب بوجهك عن بابي!

إلا أنَّ الغراب قال: أبداً بَعْدَ اليوم.

  ***               ***    

والغراب، لم يرفرف أبداً، جالساً لا يزال، لا يزال جالساً

على تمثال بالاس الشاحب فوق باب غرفتي تماما؛

وكأن شيطان يحلم، على ما تبدو، كانت عيناه

وضوء المصباح منه متطايراً على الأرضية يلقي بظله

وروحي من ذلك الظل الذي على الأرضية يطفو

هل لروحي أن تقوم – أبداً بَعْدَ اليوم!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* اللوحة للفنانة التشكيلية زهراء البغدادي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى