قصيدة ” حبل القصيدة ” للشاعر السوداني خالد عمر

الشاعر خالد عمر

 

 

 

 

 

أنا ميتٌ سَلَفاً هُناك

فى” الجزيرة “عند مُنعَطَفِ العروج إلى

حقولِ الذُرةِ الرفيعةِ والعَدَارِ الكثّ

تحت ظلِّ غمامةٍ رحَلَتْ على وعدٍ سرابيِّ الهطول

حيْثُ العصافيرُ الغريبةُ

غمّست مناقيرها فى الحِبْر ونقَّرَت سُرَّتي

والليلُ أرْخَى حاجةً سريةً وأسْدَلَ إسمَه السُّفلي

سِتْراً زائفاً على حاجاتِنا، فانكَشَفَ القَمَر

حيثُ الزوايا فِتنةٌ بظلالِها

والباقياتُ من التمنى فى الحقيقةِ لا أثر

وبقيتُ مُرتبكاً فى صَميمِ الوقت،

مُشتبكاً بالفضاءِ الرّحْب والشّجَرِ العمومي البسيط ،

أخصِفُ نِيَّتى فى كلِّ دربٍ

وأجتنِبُ التأمُلَ- مثل عدْوَى- فى الرّحيل

أختصِرُ المسافةَ بين خطْوِى وكسْبِهِ بينَ حُزني وحِسِّهِ

بين طُولِ مَحياي وخِلْسَةِ الموتِ – الجميل-

في غبارٍ عالقٍ على هدب المُصادفةِ العنِيفةِ

وهي تفْتِكُ بالتَّوقُّعِ عُنوةً ، لتُزيحَ أوهامَ الرُّوى

وتفُض صمْتَ المُستحيل

أختصرُ المسافةَ بين مُرتَجَعِ الصَّدى ونَقِيضِهِ

فى أيّ شئٍ مُنكَرٍ كالومضَةِ السِّحريّةِ الفَوقِية التّحْتِيةِ الما قَبْل برْقِ الحدْس ، بعْد هُنيهَةِ السّهوِ القليل

ثُم أختزلُ المدى فى النٌّقطةِ العمياء ضربةَ لازبٍ

لأقولَ ما تجد القلوبُ فى خَفَقانِها

وأميلُ حيثُ تميل .

ومهما يكُن من أنَّهُ لابُدَّ من هَلَكٍ لهذا القهْر

فلستُ شهيداً ولستُ وحيداً ،

لستُ لهذا المَسيرِ القَتيلَ البدِيل

انا ميتٌ سلفَاً هُناك حيث أوقف الشعراءُ قافِلَةَ القوافي وقدَمُونى مُخيراً بين الشَّهيدِ أو الشَّريد

فسألتُ أُمي : ماذا ترى لو أنني جانِحاً هكذا للسِّلمِ

-أشُدُّ حَيَلي- و أختارُ نافلةَ الكلام،

علّي أوثِّق للنَّشيدِ المُرِّ فى تاريخِنا الشَّفَهي مِثل أبى

على أيَّامِ الثّورةِ الصمَّاءِ فى عَهْدِ الخليفةِ المعروفِ بالصّمتِ الحديدي الجَّرئ والزَّرَدِ الثّقِيل،

حتى لا أُضام يا أمى ولا أموت سُدَىً

حتى لترحمَنى دُموعُ جاراتكِ حين أشدُّ باصِرَتي ،

أشدُدُ بالصَّدى الفوريِّ قلبي وأموتُ مُبتسمَاً

فى المرّة الأُخرى غدا

وأعرفُ أنَّهُ لا حَيْل فى هذى القصيدة

أن تُغامِرَ فى المدى وأن تتحمّل المعنى

و تحمِل عبءَ تَنْقِيَةِ إحتمالاتٍ ضَرُوسٍ

يُكابِدها – على الأرض- الحَنانُ الشائِهُ القسمات الذى نبكى على صدْرٍ يُناصِبهُ العداءَ وندعُوهُ الوطن

أعرفُ أنَّهُ

لا حيلةٌ لشاعِرها ولا سِنَةٌ لتأخُذَه من ليلها،

إذا ما كان لابُدَّ مما ليس منه نهاية كونية ليموتَها ، فيعرِف عبْرَها

ما إذا كان الأزلُ الصَّريحُ

فى هذا المَسارِ اللولَبي على الزّمان يَمتحِنُ الأبد

ويُعلِّقُ عاليا فى مبكى بلادِ الأكرمين

سِلسلةً من مدائن صرعَى وأهوالٍ

ستجعَلُ الأزلَ الأبيد اللّا نهائي –

فى واقعِ الأمرِ وفى مُخيلّةِ الهيام المَعْرِفي –

هو المسارُ المُمتَحَن .

لا حيلةٌ لشاعرها وهو يهربُ من لُهاثِ الأرض

مُرتبِكا كأنَّ الأرض قالعةٌ من محاوِرِها لتشرَبَهُ

تلك إذن أمُّ القاضايا الخاسِرَة ومحْرقة السؤالِ الهشّ ، منفَضة الرؤوس الحاسِرَة

وصورةُ الشَّعر الأخيرةِ وهو يجهلُ ما قضِيَّتهُ

و يركضُ بين ويلاتِ الإحن ، فيكْبُو حائراً متأخرا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى