” هذا ليس نصاً ” حسن عائد

حسن عائد

 

 

 

 

1

عندما يمر الطلبة الجاهز منهم والغير مستعد للاختبار،

عندما يمرون مسرعين ومتثاقلين، في الحديقة التي قبالة باب الموسيقى، ألمح واحدةً منهن على رقبتها أثر الكمان، قبلة عاشق لا تنقطع شهيته في التقبيل، الكمان الذي رأى.
لم أستمع إلى عزفها من قبل، ولم أحزر كيف يمكن لصوتها أن يكون، لكنني ببساطة شممتُ الكمان والمكان.

2

يجمع المطبخ ما تفرقه السيدات، وعلى أصوات الأواني النائمة، المستعدة دوماً للعمل، ومِن أمام الطواجن المحترقة، (أنت، انا) والجميع يحاولون البدء (الآن، غداً) من القديم إلى الجديد.
في المصنع اليدوي هذا، علينا أن نمارس الرغائب،
أن نحقق الشفاعة، ونؤلف طبقاً يليق بهذا الفخار الأوربي، شديد الدقة، المائي سهل الكسر.

3

حقيبة أمير الأردين

[إلى الأمام
أيتها الحقيبة
أيتها الجموع
أيتها الصحراء، ايها الضجر والغضب] *رامبو

لحقيبته أثرها النادر، وامتثالها الجمالي الخاص. الحقيبة نرد، أينما اتّجه فـ له رؤية جديدة. إنها حظه من الدنيا لاعتبارها الوحيد الذي لم يتغير.
وهو يرفع عنها الغبار ألا يعني ذلك شيئاً؟ إنه يعيد تعريف الأبد. صارت هذه الحقيبة لصيقة به. يعود ولا عودة أبداً. متأهباً للبدء، وأي بدءُ نهايةٍ سيصيرُ اليها أمر هذا السيد الذي يبدأُ دائماً؟
[إنني أغادر أوروبا. سيُلهب الهواء البحري رئتي، ستدبغني الأقاليم الغائمة، سأعود بأعضاء من حديد، ببشرة قاتمة] *رامبو
لون شعره، لون الحقيبة. رأسه ِمقبضها. وأنفه ثقبٌ أحدثتْهُ الجرذان. أراه دائماً، ولم أرَ ساقاً بُتِرت قط.

٤

كلما عجزت عن الرسم، قرأتُ.
بالقراءةِ وحدها، ترتخي عظمة الرسغ،
لا أسعى إلى التفسير ولا إلى الفهم،
هي حالة تبدو قديمة، أو حديثة..
لا يهم.

يوماً بعدَ يوم تموت الأشياء فيَّ دون جلبةٍ أو اهتزاز. أستشعر ذلك ابتداءً في يدي.

ويا  الإثارة
أملكُ الوقت الكافي لإعادة الكتب

!!

القراءة: وجهي الأزرق، المادي.

ترفع علبةَ الحبر، نخبَ الاوراق
وتحية الأحذية.

ثمة ما عليَّ قوله دائماً:
كلما عجزت عن الرسم،
قرأتُ.

5

تنبأ الجميع بموتي، أنا الطفل الذي أكمل وتجاوز شهره العاشر، وحمل بعدها اسم جده الذي توفى قبله بعشرين يوماً، وأخيه الذي توفى قبل جده بسنوات.
حين يُسأل والدي :”من هو الأعز من ولدك عليك؟”يقول: أبي.

سألتُ أمي: لِمَ لَم أكن أنا الابن الاكبر؟
قالت: سألتكَ وكنتَ تُفضل أن تبقى نائماً..
عرفت من السطح حيث كُنا ننام، أن لا راحة إلا في مكانٍ نجهزه ونعد له العدة ولا عدد بعدها إلا أنت، نهاية الأعداد
كما نفعل كل عصر، نصعد السلالم بخفة طائر، ونرش الماء على الجدران والعارف فقط هو من يَرش على الأرض، لأن الماء الجاري يُحدث بقعاً على أرض السطح الطيني.
كان مشهد الطائرات حين تمر على بيتنا بوداعة وترسم تحيتها في الثلج، مدهشاً، وكأنما نسينا أن ننظر إلى السماء، بعدما كنا ننظر منها، أم أن المدن الكبرى لا سماء فيها؟

في واحدة من عشراتِ عشراتِ المرات، قلتُ لابنة عمي بأنني قادرٌ على أكل الغيم، والاختباء خلف القمر، مضيتُ أصف لها كيف أصعد الدرج العالي. الذي هو بِخمسِ درجات. حين ينام الجميع، وشرحتُ لها كيف أنني لا أشارك هذا السر حتى لا يبطل السحر،
وللذين لا يعرفون كيف هو المعراج،
أقل إنه طويلٌ وجد شاهق للذي يتحمل سحره.
هي لم تستفسر مني .. غالبا تكون قد خشيتْ على عينيها من الوهج الذي قد يحدث، فكذبت هذه الوجبة الشهية.

عرفت من جارتنا العلوية “أم مجيد” أن الدواية ضاحية لا تشبه روحك يا حسن، تردد بعدها: (الدواية طرها الشمر) لذا هي صحراء يعلو فيها دوي القصب، والعجاج. الغيم وإن ثقل وزنه على هذه البقعة يشرد ويعصر نفسه في وادٍ لا ذكر لخطوات الشمر فيه، فالغيم صديق الحسين.

٦

اليد حجر التأريخ الأكبر، بداية المعنى، تأتي يا أنتَ يا هوة الكون وليداً على يد قابلة غريبة، يدٌ اعتادتِ الصخب والولادة، تنعشك بماء الأرض وتمسح عنك غبار سفرك، تلك الأيدي تستقبل الحكمة وتبثها، ببداهةٍ على الأرض. من مسحت عن أولاد آدم وعثاء سفرهم؟ ورأت ما لم يره بشريٌ قط إلا آدم؟ يبدو أنها من النسوة المبشرات حول العرش..
يدكُ مسؤولة عن حَملِك، مذ تفقد روحك عذريتها، صرختها الدالة عليك. شامانيتك الأولى تحولت بفعلةٍ أنتَ فاعلها وتجهل كُنهَها إلى حمار يحمل أسفاره. تحتاج من يُخرجُ يدك بيضاء بعد أن طعنتها في عُنقك. يَحشوك كالتبغ التالفِ في لفافة بيضاء، يحشرها في خصر الأرض، لا يخيفك الرقاد الطويل، فأنت نبيذٌ قد تعمرت واختلفت رائحة تحنطك، لا تخاف وقد شُد حبلكُ السري على رأسك كما لو كنت عنقاءً بدلت موضع الوضع، لتخاف من بشرى يدِ الدفان، أظفارٌ ملئها تعبُ، الرجل الذي أخذ مكان القابلة ورماك لرمالهِ الآن، حَفتك احقاداً لسرةٍ خانقة، لحياةٍ تبدو خشنة.

٧

الفيروزي، الحجر الذي صرته، الدخان الصاعد من أطراف الأصابعِ يمكنن روحه، يصقلها، بثقلهِ متمايلاً يمرُ، بخواصره المتعددات يَمرُ، بشيب الخلف والسلفِ يَمرُ.
أسأل من عن يدي؟
يداي الفضاء، وهِنتا..

من ضاع خاتمه، فقدَ يده.
حكمة الفيروزي
ألا لهب الآن في الظل.

جسد الخاتم: روحك، مدينة الخبز، والخبر.

مِن السهل على الطفل أن يفكر في الوقت، خمس دقائق تعني له خمس أصابع. لكل دقيقةٍ عنده ثلاث حيوات و ثلاث حيرات. حياةٌ مضت بانتقال سبابته إلى حاضره وينتهي الآخر لمعنى الوعد، الوعيد، الكون غداً.
لماذا الغد؟ لِمَ نفهم الأمس والآن وغداً؟

 

 

  • جميع اللوحات لحسن عائد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى