ويجز ورأسمالية الموجة الجديدة!


تدوين نيوز – خاص ، قبل سنتين من الآن لم نكن نسمع عن موسيقى “التِراب”، والقصد هنا عموم الناس في مصر وليس المهتمين، وقتها كان مجرد مصطلح أو تعبير غامض، موسيقى جديدة على الآذان، ليست مهرجانات كما أنها بعيدة عن “تيمبو” الراب التقليدي، مقامرة ومغامرة برز في مقدمتها فيما بعد مروان بابلو وويجز، كليبات يتم تصويرها بكاميرات هواتف متواضعة، شباب يعانون النحافة والشرود، يتحدثون بلغة العصابات المستوردة بمزج بين العربية المهزوزة والإنجليزية ذات اللكنة الأمريكاني، تتحدث بالتفصيل عن المشروبات الروحية وتجارة المخدرات والعلاقات المشبوهة، إعادة إنتاج للمهرجانات، ولكن عن طريق عباءة الهيب هوب المستوردة الشيك.
https://www.youtube.com/watch?v=eGM67maciAM
أخذت الموسيقى الجديدة في محاولة موائمة “السوق” في مصر ومجاراته بمقاربات ومد جسور مع المهرجانات والتي كانت أوج وأنجح محاولتها “جميزة مروان بابلو” حيث وصلت إلى ستة ملايين مشاهدة قبل اعتزاله بشكلٍ مفاجئ مارس 2020.
https://www.youtube.com/watch?v=RMiKNqBaX44
بالتوازي مع نجاح بابلو “الأب الروحي للتِراب” كان ويجز هو الآخر يحاول خلق مساحته الخاصة التي أوجدها بتراكات مثل “باظت” “كدا كدا” و “أي تي أم”
https://www.youtube.com/watch?v=ZiPSf1OSwYI
حققت وقتها نجاحات كبيرة وبدأت تظهر على خريطة مواقع التواصل “خاصة باظت التي تحولت لإعلان لماجد الكدواني وأحمد مالك وروبي” والأهم أنها بدأت تظهر بشكل مكثف على صفحات الميمز والكوميكس وهو ختم العبور والنجاح في الزمن الحالي وبمثابة اعتراف رسمي بوجود التِراب ونزوله على ساحة التريند ومن ثم تحقيق الانتشار الكاسح. باعتزال بابلو المفاجئ وهو العنصر الأنجح في معادلة السين المصري “مشهد الراب في مصر” وابتعاده المبكر عن المجال وتركه لبصمة الجميزة التي حققت نجاحًا وجدلاً غير مسبوق مهد للقفز على الفكرة، أو بمعنى آخر استكمال بناء الجسر المؤدي من التراب إلى المهرجانات فيما بعد، فيما يطلق عليه البعض “الإلكترو شعبي”.
فلاش باك .. ويجز البدايات
في الفترة من تراك “تي إن تي” إلى ملحمة هيب هوب التكاتك والميكروباصات “دورك جاي” وعلى مدار سنتين كان ويجز وبذكاء ملحوظ يبحث عن ثغرة للمرور إلى السطح، بتقديم كل النقلات والتنويعات التي تكشف له طبيعة الأرض التي يقف عليها ولأي مدى سيتقدم، فمرة يقدم تراك “خربان” مع “السادات” أحد أنجح وجوه المهرجانات وأكثرها تأثيرًا وأخرى يتعاون في التوزيع مع توتي وثالثة مع مولوتوف أيقونة نجاح بابلو وتوأم مشروعه قبل الانفصال، وعشرات الثنائيات والدويتهات الأخرى كلها بهدف التجريب وجس النبض ومعرفة إلى أي مدى سيتطيع مد جذور لأراضٍ جديدة….
وبعيد عن حب هذا اللون الغنائي من عدمه وبعيد عن المعركة الأخلاقية أو أطروحات النقد الفنّي ومدى تقدم الفنون في مصر أو تأخرها، إلا أن رحلة سنتين في حياة ويجز تجيب على العديد من الأسئلة الخاصة بالشهرة من نوعية “كيف السبيل إلى وصالك دلني”؟!
فبعد “تي إن تي” الذي يعتبره ويجز “وش السعد” قدم العديد من “التراكات” المعبرة عن حالة ضياع وتوهان واضحة وصادقة لجيله، الفراغ والبطالة والبحث عن الأحلام والمستقبل مجهول الملامح والكيف وقعدات الضرب والوقوع في براثن الحب والعلاقات المبتورة والفاشلة، وهذا بدا واضحًا في “ساليني” “حواري” “مش هقولك بيبي” “حورية” وغيرها، تستطيع من خلالها الإمساك بتلابيب “فورمات” وسمات واضحة وقضية محسوسة حتى لو كانت سلبية ومحبطة، شئ ما أشبه بصدق البدايات في صبغتها المحلية وصخبها وأحيانًا سوداويتها، قبل مرحلة تقرير المصير إما الصمود أو الإزاحة والانتقال للمستوى الأعلى والدخول لأبواب الاستهلاك.
كان لاعتزال مروان بابلو فائدتين لويجز، أولا إزاحة المنافس الشرس والانقضاض على مساحته الشاغرة في المشهد، ثم البناء على لحظة “الجميزة” الأكثر لمعانًا في تاريخ مشهد الراب
دورك جاي
بغض النظر عن كون “دورك جاي” كانت هجومًا مبطنًا بلغة الراب “دس” على محمد رمضان الذي استولى على إعلان كان مقرر لويجز القيام ببطولته وذهب لرمضان في اللحظات الأخيرة، لكن دورك جاي كانت إعلانًا رسميًا عن الموجة الجديدة ووصولها بشكل أوضح وأقوى، واكتمال الجسر بين المهرجانات والتراب وافتتاحه رسميًا في 11 مارس 2020 بعدد مشاهدات تاريخي من اللحظة الأولى حتى الآن حيث وصلت إلى 52 مليون مشاهدة قابلة للزيادة وهو الرقم التاريخي الذي لم يصل إليه تراك لمؤدي راب في مصر.
تكفّلت التكاتك بتوصيل التراك دليفري لكل خندق وشارع وزقاق في مصر المحروسة، والأغنية غريبة وكلماتها غير مفهومة، مستفزة بشكل هيستيري لدى البعض ومعجزة العصر لدى البعض الآخر وبالتالي هي بيت القصيد والنموذج المثالي لدخول التريند والبقاء داخله أطول فترة ممكنة.
وبناءً عليه تكفلت دورك جاي بتحقيق حلم ويجز ليس فقط بالانتقال للمقدمة، بل بنقلة نوعيّة وقفزة هائلة أوصلته في النهاية إلى دخول جنة إعلانات شركات الاتصالات وغيرها وتقديم الأغنية الدعائية لفيلم الغسالة وحضور مهرجان الجونة…
لحظة انفصال
اعتزل مروان بابلو في أهم لحظات نجاحه، بعد وصوله لعدد كبير من المتابعين والنجاح في إقامة حفلات وتقديم إعلانات مع كبرى الشركات لأسباب غير معروفة حتى الآن، واعتزل “ليجي سي” مُحبطًا رغم كونه أحد أهم الشباب في الراب سين وظل محافظًا على طريقته الخاصة حتى النهاية “وربما ذلك هو سبب الاعتزال نفسه”.واعتزل غيرهم لأسباب مختلفة لا تبتعد كثيرًا عن منطقة الإحباط وانعدام الجدوى، وهي لحظة عاصفة يمر بها كل من له علاقة بالفنون والمهن الحُرة، ولا يقاوم هذه اللحظة إلا من يملك الصبر والإيمان الشديد، أو النفعية التي تمكنه من تقديم كل التنازلات لكي يصل لنقطة أمان وشهرة تدفعه للبعد بخطوات واسعة عن أيام الضنا والضنك والاحتراق أكثر من أجل الوصول.
كانت دورك جاي كفيلة بتوصيل ويجز لكل أحلامه في الشهرة والنجاح وحصد أموال الإعلانات، لكنها أدت لانفصال عدد من جمهوره الأصلي الذي بدأ معه رحلة الكفاح، كانت إعلان بإن الطريق لم يعد واحد، وأن ويجز أعلن انفصالا مبكرًا عن الجمهور الذي بدأ معه الرحلة وانقلب عليه انقلابًا عنيفًا بمهرجان وليس بتراك هيب هوب.وبعدها قدم تعاونًا جديدًا مع حسن شاكوش في إعلان جديد “سالكة” “جامدين ومفيش إلا احنا، حلويين ومفيش الأحلى” في كلمات وحالة وجدت سخرية على صفحات المهتمين بالهيب هوب والراب، ثم إعلان إحدى شركات الاتصالات “قرمش في الوحدات… وأهدي يا قوطة” وقبله أغنية فيلم الغسالة “بتمشى في الزمن محشي طاقة وعندي أمل”.. وما بين “القوطة” وخلطة “الحشو” بأي كلام .. ترك ويجز بداياته وجمهوره في لحظة انفصال سريعة وحزينة تحدث يوميًا في مجالات الفن والرياضة وسوق العمل والحياة ككل، لحظة اختيار صعبة بين شقاء يلوح دائمًا في الأفق وملازمًا لحالة الأصالة والحفاظ على الفن في صورته الخام بشكل ربما تجد معه صعوبة في تسديد فاتورة الإنترنت والهاتف المحمول وبين دخول عالم الاستهلاك الرأسمالي وتقديم ما يطبله المستمعون مهما كانت خلطة المحشي، المهم أن تترك طريق الشقاء والضنك للأبد!