القيم المعرفية والفنية للمهرجانات وتمظهرات الحراك المسرحي ، حوار مع المخرج المسرحي كاظم النصار

الفنان كاظم النصار ، مخرج مسرحي عراقي .

المخرج كاظم النصار

تدوين نيوز – خاص

من دواعي الاهتمام بالمظاهر الحياتية في العراق وتسليط الضوء عليها ، ارتأت جريدة تدوين نيوز ان تفتح باب الحوار حول المسرح العراقي في ما له وما عليه وسبل الارتقاء به  بعد ان تغيرت الكثير من آلياته تحت وطأة الظروف التي مر بها العراق ، وقد توجهت الجريدة  بطرح مجموعة من الأسئلة  على السادة الافاضل المعنيين بالشأن المسرحي العراقي ، وستنشر هذه الحوارات تباعاً وحسب ما وردت . وتتقدم الجريدة بالشكر والامتنان لكل السادة الفنانين المساهمين في هذه الحوارات

– ماهي أسباب تضائل الرقعة الجغرافية المسرحية وانحسارها على المتلقي النخبوي في العراق ، وهل هذا نذير باحتضار الفن المسرحي ؟

ج / المسرح يمرض ولايموت من زمن الاغريق حتى اليوم وحتى بعد دخول الثورة التقنية ووسائل التواصل بقي حيا لكنه تراجع واظن ان اسباب عديدة تقف وراء تراجعه اولها ان هناك تحولا اجتماعيا عاما من مضمار الثقافة واسئلتها الحادة الى مضمار الاعلام والتواصل بل ان المزاج العام للتلقي اختلف كليا وذهب باتجاه الميديا والصورة وتراجعت الكلمة التي تشكل عماد المسرح وثانيا غياب صناع المسرح الحقيقيون لسبب واخر منها الهجرة والمرض والخذلان واختيار الدراما التلفزيونية كبديل للرزق والشهرة وكذا انصراف عدد كبير من الاجيال الجديدة الى الاعلانات والميديا ..المهم هناك حراك مسرحي بين مد وجزر نتقدم خطوة ونتراجع خطوة وذلك بسبب عدم وجود استراتيجية لصناعة مواسم مسرحية فعالة تستقطب العاملين والجمهور معا وتنوع الاساليب وتشجع الخطابات المتنوعة .وهناك ايضا مدن عراقية عديدة لاتتوفر فيها بنايات مسارح محترفة ولادعم مالي وليس فيها جهة تشجع على انتاج المسرح وعلى ان المسرح التجاري توقف هو الاخر ولم يعد له من جمهور ربما بسبب طبيعة التحولات السياسية وانعكاسها على البنية المجتمعية واختصار العالم كله بجهاز تلفون بمساحة الكف الواحد يستطيع المشاهد ان يرى كل شيء وهو في مكانه وعلى سريره

–  في العديد من العروض المسرحية التي قٌدمت على مسارح بغداد نلاحظ عدم الاهتمام بالروية البصرية فهل اصبح العرض المسرحي شكلا فوضويا خاليا من المنظومات الجمالية التي تخلق المتعة البصرية للمتلقي ام ان هناك غاية ما ورائية يراد توصيلها للمتلقي؟

ج /  تتنوع العروض على قلتها وتاتي من مرجعيات متباينة بحسب فهم وثقافة منتجها هناك انساق نصية فالتة وهناك ايغال بالجانب البصري وهناك مباشرة بالموضوعات وهكذا ..عدد قليل من العروض التي استطاعت ان تنتج خطابا نصيا دالا ومؤثرا وعدد اخر من العروض انتج منظومة بصرية وجمالية فيها نظام عرضي احترافي متقدم واذن لا ينطبق توصيف على توصيف وبالتالي فنحن ننحاز للعرض المحترف بكافة انساقه النصية والاخراجية والادائية وما تبقى سياتي .

–  درجت اغلب العروض المسرحية على توظيف النص المكتوب باللهجة المحلية، حتى ان الكثير من النصوص لا تحتكم الى شروط النص المسرحي (الاكاديمي) وقد يشعر المتلقي المعرفي ان هذه النصوص كتبت على عجالة او مرتجلة ، فهل هذا توجه نحو تسقيط او تجاهل اللغة العربية الفصيحة ، وهل هو عزوف عن تناول النص المسرحي العالم المكتوب أيضا باللغة العربية ؟

ج /  ليست المشكلة باللغة المكتوبة او المنطوق النصي الادبي ومزج الفصحى بالعامية سياق معمول به على ان يكون الخطاب ليس هشا وضعيفا ومباشرا تونس ولبنان والمغرب وسوريا ومصر تصدر لهجتها في المسرح وهو توجه لا يمس قيمة العرض المسرحي لان العرض كما تعرف هو منظومة سمعية ومنظومة بصرية والمنطوق هو جزء من كامل المنظومة ومن المتعارف عليه ان العمل الاكاديمي مكانه الجامعة اما بعد اسوار الجامعة فمطلوب عمل يجمع عناصر الفرجة وقريب من الجمهور ويخلق صلة تلقي معهم

–  نشاهد في اغلب العروض المسرحية العراقية الحديثة ، طرق مبتكرة في الليات الأداء المسرحي تعتمد على الصراخ والحركة المفرطة الغير مدروسة مما يؤثر على المنظومات السمعية والبصرية لدى المتلقي وتساهم في خلق حالة من التشتيت الذهني لديه . فما هي العوامل التي ساعدة على خلق مثل هذي الاليات لدى الممثل ؟

ج /  هناك نقص خبرة وقلة تمارين وسوء فهم لطبيعة العرض واسراره وخاصة نمط الاداء والصراخ والحركة المشتتة العشوائية ظواهر لم تكن جديدة ومؤشرة من قبل العاملين والنقاد والبروفات المكثفة هي من تقلل هذه المشكلة وهناك انساق ادائية متطورة الى جانب ذلك وهذه نجدها في عروض الاحتراف ويجب تعزيزها عبر الورش والتدرب الدائم .

 نلاحظ في اغلب الأحيان ان مدة تقديم العروض المسرحية لا تتجاوز الثلاث أيام ، وهذي المدة قصيرة قياسا ، بالعروض المسرحية في العديد من الدول وبالأخص الاوربية التي تتجاوز مدة العرض المسرحي الواحد اشهر او سنوات ، ويلاحظ أيضا ان اغلب هذه العروض تتنافس للحصول على مكان للها في المهرجانات العربية والعالمية . فهل أثر ذلك على انتاج العرض المسرحي بشكل عام ؟

ج / هذه قضية موروثة ، لقد ورثناها من الماضي والواقع ان ايما عرض باستثناء نادر مدتها ثلاثة ايام وبعدها يصبح المسرح صحراء قاحلة فماذا نفعل لكي يبقى العرض حيا يحاول بعضنا اشراكه في مهرجانات محلية وعربية ونوفر له فرصا اخرى ، وقضية الانتاج قضية ازلية ستبقى مادام ليس في سياستنا انتاج وتمويل منظم محسوب وفيه معايير وليس كيفيا ومرتجلا وخلال السنوات الماضية تضاءل الانتاج واقتصر على عرضين او ثلاثة كنتيجة متوقعة لغياب المرتكزات التي ينبني عليها انتاج العروض المسرحية واستمرارها

–  من مقومات تصويب العرض المسرحي هو النقد ، فهل يوجد برأيك ناقد (حرفي ) يستطيع ان يضع العرض المسرحي تحت مجهر النقد الاكاديمي المؤسس على الليات النقد ونظرياته ، ام ان النقد اصبح ( انفعال اجتماعي ) يعتمد على علاقة الناقد بفريق العمل ؟

ج / النقد ايضا انعكاس لحيوية العروض وتنوعها وعددها وتراجع ايضا لغيابها وشحتها وطبعا هناك متابعات صحفية وهناك تضامنات اجتماعية وهناك انحيازات وهناك نقد رصين ايضا  ، واين هي العروض لكي يكون هناك نقدا …ما جرى بعد 2003 غادر كثيرون مواقعهم بسبب ان النقد لم تظل له تلكم السلطة المعرفية والتقويمية مثلما كان وهكذا تراجعت العروض والنقد كذلك واصبحنا بلدا اعلاميا وليس بلدا ثقافيا .

– من متابعتنا للكثير من العروض المسرحية العراقية ، لاحظنا ان العرض المسرحي بكل مفردتاه لم يتخطى أزمات الشارع ،بل هو تكرار او اجترار لما يدور في الشارع من أزمات .نحن نتفق على ان المسرح يأخذ مادته الرئيسية من الواقع الا انه يعيد انتاجها وفقا لأليات الخلق والابتكار ، فهل هو استسهال في تناول المادة كما هي ام انه كسل المبدع في خلق عرض مسرحي يساهم في تشظي الازمة وإيجاد الحلول لها ؟

ج / حسب الفهم وطبيعة فهم التحولات يمكن ان ننتج عروضا لاتكون صدى للشارع وانما تنقب في الظواهر وليس في السياسة اليومية المتحولة والمتغيرة والمتحركة والمباشرة ليس عيبا على ان تكون وفق معالجة فنية وموضوعات ذات قيمة وبناء نصي فيه اشتراطات جمالية ونصية

شاهدنا عروضا تحاكي ازمات الشارع لكنها بلاقيمة ولا اهمية ومرت مرور الكرام ولم تترك تاثيرا ..والمبدع لايغازل ولا يتبنى انما ينقب بموضوعية وبحث عن العلل والنشكلات ويبدا بتقديم رؤية لها ويدق جرس انذار لها يصم الاذان

 – هل كثرة المهرجانات تخلق حالة مسرحية صحية وكذلك ارتقاء بالذائقة المسرحية ، رغم اننا لاحظنا في بعض المهرجانات دعوة عروض مسرحية متدنية بعضها لا يمت صلة بالعرض المسرحي ؟

ج / لا قيمة فعلية للمهرجانات بدون مواسم متنوعة واهدافها ستكون محل سؤال بدون ذلك وعادة ما نسمع مفردة ماهي الجدوى من ذلك؟ ،نعم ماهي الجدوى ؟ والجواب انت تعرض بضاعتك الثقافية فاذا كانت غائبة وليست موجودة فما الهدف من ذلك المهرجانات قيمة لمعرفة تمظهرات حراكنا المسرحي العرضي والنقدي والمعرفي وعندما تغيب العروض المحترفة فلا جدوى من المهرجانات .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى