حرب من نوع آخر تطل برأسها من مخلفات المعارك التي لا تكاد تنتهي في السودان…
تقرير / سلمى عبد الوهاب
تدوين نيوز – خاص
حذرت بعثة الأمم المتحدة في السودان من المخاطر التي يمثلها التلوث بالذخائر المتفجرة على حياة المدنيين في السودان، مما يؤدي إلى القتل والتشويه العشوائي وإعاقة إعادة تأهيل البنية التحتية العامة، بما في ذلك المدارس والطرق.
وذكرت البعثة أن الذخائر المتفجرة تشكل أيضا عقبة رئيسية أمام الحركة الآمنة للمدنيين وعودة النازحين إلى ديارهم، وتقوض التوزيع الآمن للمساعدات الإنسانية كما تقيد الوصول إلى الخدمات وتفاقم انعدام الأمن الغذائي.
وأوضحت البعثة أن النزاعات المسلحة التي حدثت في السودان منذ عام 1955 خلفت إرثا من المخاطر المتفجرة، بما في ذلك الألغام الأرضية والذخائر العنقودية والمتفجرات الأخرى من مخلفات الحرب التي تؤثر على المجتمعات المهمشة في المناطق المتضررة من النزاع.
وقالت البعثة إن “النزاع الحالي الذي اندلع في 15 من نيسان/أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يزيد الخطر الداهم علي المدنيين. فالاستخدام المكثف للذخائر المتفجرة خلال القتال، يزيد الخطر على حياة المدنيين ولا سيما الأطفال الذين يمكن أن يخطئوا في فهم خطورة هذه العبوات وقد يتصورونها ألعابا فيلهون بها”.
وحثت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) ودائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام المواطنين على توخي الحيطة والحذر وعدم لمس أو التقاط أي صنف من هذه الذخائر غير المتفجرة.
ومع استمرار الحرب في السودان منذ 15 أبريل 2023 وتمددها داخل الأحياء السكنية في المدن وبعض القرى، تتزايد خطورة مخلفات الأسلحة المستخدمة في معارك الجيش والدعم السريع، وتستمر هذه المتفجرات في تهديد حياة المدنيين حتى بعد انتهاء المعارك، وتشمل هذه المواد الألغام الأرضية والقذائف غير المنفجرة، بالإضافة إلى الذخائر.
مخاطر مخلفات الحرب لا تنحصر على ولاية الخرطوم فحسب، بل تشمل كل الولايات التي امتدت لها الحرب.
حرب من نوع آخر تطل برأسها من مخلفات المعارك التي لا تكاد تنتهي، إذ باتت الأجسام الغريبة والذخائر غير المنفجرة من مقذوفات المدفعية (الدانات) وبقايا شظايا الرصاص النحاسية وغيرها تشكل خطراً داهماً على حياة المواطنين في السودان مع تزايد أعداد ضحايا تلك المخلفات كل يوم بخاصة من الأطفال في مناطق عدة بالبلاد.
مع بداية فصل الخريف وموسم الأمطار وبعد جرف السيول للتربة السطحية، كشف عن حقل كبير من الألغام زرعتها قوات “الدعم السريع”، على امتداد الطريق الدائري من مدخل مصفاة الجيلي شمال العاصمة السودانية الخرطوم نحو مدينة شندي بولاية نهر النيل.
وحذرت مصادر محلية من أن أعداداً أخرى من الألغام قد تكون ما زالت مدفونة تحت الأرض على الطريق نفسه، داعية المواطنين لاتخاذ الحذر الشديد من خطرها وتفادي المرور بالعربات أو سيراً على الأقدام في تلك المنطقة حفاظاً على سلامتهم وسلامة الآخرين.
إن الأجسام غير المنفجرة لها تأثير مباشر على حياة الإنسان، ويتمثل ذلك في الخسائر البشرية والإصابات، كثير من المدنيين حدثت لهم إصابات خطيرة بسبب الألغام الأرضية والمتفجرات، فمنهم من سببت لهم إعاقات جسدية دائمة، كما يؤثر ذلك على الصحة النفسية للإنسان الذي يعيش في بيئة مليئة بالعنف والتشرد والنزوح وعدم الاستقرار، فتجبر الأسر على مغادرة منازلها؛ بسبب الدمار وعدم ملائمة البيئة للعيش.
الألغام الأرضية والمتفجرات غير المنفجرة تعد من أخطر مخلفات الحرب، فهي تهدد الحياة البرية والنباتية، وتعيق استخدام الأراضي الزراعية والرعي، ففي السودان لدينا تاريخ طويل من الحروبات والصراعات والنزاعات، ويظهر أن هنالك انتشار للألغام في مناطق مختلفة في السودان، مثل إقليم دارفور، وكردفان ومن قبلها جنوب السودان. وهذا يؤثر في استقرار إنسان تلك المناطق، ويعرضه لمخاطر جسيمة.
مع مخلفات الحرب والنفايات بصورة عامة في هذه المرحلة، وفق معالجات نوعية خاصة، لما تمثله من خطر ذي شقين أمني وبيئي، ربما طويل الأمد، يهدد بتلوث البيئة بمكوناتها الكيماوية التي قد تتسرب إلى مصادر المياه والأنهار والأحياء المائية، وبما تشكله المتفجرات المنسية أو المدفونة من خطر على أرواح الناس ,أن الأخطار الكبيرة المترتبة على مخلفات الحرب من نفايات ملوثة وذخائر غير منفجرة، مثل القنابل والقذائف الكبيرة، أقلها الموت أو الإصابات البالغة والإعاقات المستدامة، والأمر المأسوي هو أن معظم ضحاياها من المدنيين وبخاصة الأطفال، ناهيك عن التأثير المعنوي في قرار عودة المواطنين.
تجدر الاشارة إلى أن عمليات إزالة المخلفات الحربية والأجسام غير المتفجرة أو الألغام مكلفة وطويلة، ومن المؤكد أن إجراءات التدقيق والبحث تستغرق فترة زمنية طويلة قد تطرأ خلالها أحداث مؤسفة في حالة كثافة عودة السكان إلى أحياء العاصمة الخرطوم المختلفة, فالخطر أكبر باعتبار أن الألغام موجودة في الطرقات الحيوية التي يعتمدها الموطن في حركته اليومية
وما يزيد الوضع تعقيداً أن عمليات زرع الألغام في ولاية الخرطوم على وجه التحديد تمت بشكل عشوائي من دون أي خرائط أو ترك أي دليل على مناطق وجودها، بخلاف ما هو متعارف عليه في الحروب، وسوف تكثر الاتهامات في حال وقوع أي كارثة الكل سيتبرأ من المسؤولية، والضحية هو المواطن الذي لا يريد سوى العودة إلى منزله.
وبالاستناد إلى تقرير سابق أصدره المركز القومي لإزالة الألغام عن إزالة مخلفات الحرب، أوضح فيه أنه نُظِفَت مساحة 2.6 مليون متر مربع في أمدرمان القديمة احدى احياء العاصمة الحرطوم، وأجزاء من محلية كرري بمدينة امدرمان بالعاصمة الخرطوم حيث جُمِع عدد (5.245) دانة وعدد (23.725) ذخيرة صغيرة فيما تم جمع (1.470) دانة من أمبدة بالعاصمة الخرطوم وهناك (470.627) متر مربع لم تُنْظَف وهي عبارة عن منازل مغلقة بواسطة أصحابها.
ويقول مدير منظمة بلدنا للتنمية الاجتماعية العاملة في إزالة الألغام بولاية جنوب دارفور، محمد هاشم في تصريحات صحفية في الفترة ما بين 25 مايو إلى 25 ديسمبر 2023 أزلنا مخلفات الحرب التي دارت في ولاية جنوب دارفور وبالتحديد في مدينة نيالا عبر البلاغات التي تصلنا”. ويضيف: “أزلنا 771 قذيفة استخرجناها من المنازل عبر البلاغات، منها قذائف الاربجي والهاون”.
وأشار إلى أن المنظمة التي تعمل في جمع الأجسام غير المنفجرة، أزالت منذ يناير الماضي إلى الآن حوالي خمسة آلاف قذيفة من السوق، ومن المؤسسات الحكومية، وبعدها ظهر حقل ألغام في مدينة نيالا.
ووفق ما وصف، فإنها كانت أكبر كارثة لمواطني مدينة نيالا، فقد كان حقل الألغام يقع بالمنطقة العسكرية بالقرب من المدينة، وصرح بأنهم استخرجوا 70 لغماً من الحقل.
وفي مدينة الفاشر التابعة لولاية شمال دارفور غربي السودان، أسفر انفجار مقذوف مدفعي كبير (دانة) داخل إحدى المدارس عن سقوط ثلاث ضحايا من أسرة واحدة وعدد كبير من الجرحى والمصابين.
تقول القانونية والمدافعة عن حقوق الإنسان نون كشكوش أن هنالك قواعد نظمها القانون الدولي الإنساني تنظم استخدام الأسلحة، وتشير إلى أن القانون الدولي والإنساني ألزم أطراف النزاع بإزالة الألغام ومخلفات الحرب القابلة للانفجار عبر مجموعة القواعد المتمثلة في قوانين القصد منها حماية المدنيين، بجانب قواعد الأسلحة نشرتها منظمة الصليب الأحمر، وأيضا من الأسلحة المحرمة دولياً كالألغام والقنابل العنقودية.
بما أن السودان من الدول التي لا تمتلك الآليات اللازمة أو المرادم المخصصة لمعالجة مثل تلك النفايات والمخلفات، لكن كونه عضواً مصادقاً على اتفاقيات ومعاهدات بازل وروتردام واستوكهولم الخاصة بالنفايات الخطرة، يمكنه الاستفادة من تلك المعاهدات، فضلاً عن أن هناك شركات عالمية متخصصة في هذا المجال يمكن تسليمها مثل تلك النفايات الخطرة”.