رواية الملجأ رقم (25) ، ذاكرة الحب والحرائق
حميد الساعدي
تدوين نيوز – خاص
عرفنا نعمة حسن علوان شاعراً مُجيداً لفنه الشعري وهو اسم لا يمكن اغفاله لو احصينا شعراء ما بعد التغيير بامتداداتهم السابقة التي لم تظهر للعلن لأسباب كثيرة ومعروفة، وقد أظهر لنا موهبة إبداعية إلى جانب الشعر، فها هو يضع الرواية الأولى بين أيدينا وهي الرواية الحاصلة على المرتبة الثانية في مسابقة مؤسسة أمارجي للرواية العربية لعام ٢٠٢٤.
رواية الملجأ رقم (25) التي تشعرنا للوهلة الأولى بسلاسة تدفقها وعودتها إلى بدايات تَشكُل الوعي لدى بطلها الذي تبدأ به طفلاً يرافق أبيه إلى موقع عمل في غرب بغداد، يعمل فيه الأجانب لشركة فنلندية لإنشاء ملجأ مصمم للوقاية من الضربات الحربية الجوية والصاروخية والإشعاعية.
ذلك اليوم الذي لا ينسى من ذاكرة الطفل وهو ينظر إلى البيوت التي تجاور موقع العمل، فيرى طفلة في بلكونة أحد البيوت وهي تداعب قطتها بلطف كبير.
هذا هو أول مشهد سوف يقود إلى التداعي بعد اندلاع حرب 1991 والهجمات العنيفة على مدار الساعة لما سمي بقوات التحالف في حينها والتي ارتكبت أفظع الجرائم ضد الإنسانية ومنها قصف هذا الملجأ الذي احتمت فيه العائلات القريبة من الملجأ وكان من ضمنه تلك الطفلة وعائلتها والتي ترسخت في ذاكرة بطل الرواية – السارد – الذي أصيب بصدمة عصبية رافقته لأمدٍ بعيد.
العمل الروائي الذي يستدعي التأريخ القريب هو فسحة إنسانية لتوثيق ما جرى ويجري على هذه الأرض وكم من حكايات بحاجة الى عينٍ رائية وذهن توثيقي يأخذ فيه التأريخ حصته من الفن الروائي وفاعليته التي تخلد الحدث بأسلوب فني يأخذ على عاتقه مهمة الكشف الإنساني لما دار وما يدور.
وضمن هذا الإطار تندرج هذه الرواية بالحدث الذي تناولته والذي يجسد حكاية ملجأ العامرية الذي قصف بصاروخين ذكيين من طائرتين امريكيتين لتصهر الملجأ ومن فيه وراح ضحيته الكثير ومنها هذه الطفلة وعائلتها حين يتداعى إلى وصفها بقوله :
(هذه اللوحة ظلت عالقة في ذهني طويلاً فعيناها العسليتان وشعرها المجعد المشدود الى الخلف انطبعت بمهارة في ذهني ) …
الصورة الأولى التي استوطنت الذاكرة والتي عصفت ببطل الرواية بعد حادثة القصف والضحايا حيث يقول :
( كنت أتخيل أن شيئاً ما، شيئاً كبيراً ومهماً سيحدث لاحقاً يغير مجرى حياتي بالكامل فما ان أمر بجانب الملجأ حتى يداهمني شعور غريب ينقبض على أثره قلبي ويتعكر مزاجي الى الدرجة التي أعود فيها للمنزل سريعاً غالقاً عليَّ حجرتي طيلة يوم كامل بلا طعام ولا شراب).
هو تداعٍ نفسي أثر على حياة البطل- الراوي- الذي يعيش أزمة حقيقية بعد الحادثة ينكفئ على أثرها ولا ينقذه منها سوى صديقه المثقف الذي يحاول إعادته إلى طبيعته محاولاً تخليصه مما يعانيه.
وتأتي النقلة الكبيرة خلال سرد الأحداث بمحاولة البطل التقصي عن حياة تلك البنت ومعرفة مصيرها من خلال البحث في تلك المنطقة القريبة من الملجأ وبمساعدة صديقه وعن طريق النت والتواصل الاجتماعي يهتدي لها ويطلب صداقتها ويعرف ما آلت إليه أمورها حيث تخبره بعد لقائه بها بأنها فقدت أمها وأخيها في حادثة قصف الملجأ بينما نجت هي وأبيها لأنهما كانا في دارهم أي أن نصف العائلة قد طاله الموت.
تكررت لقاءاته بها وتواصلا معاً لتنشأ بينهما علاقة حب هي صدى لذاكرة الحرائق والموت العبثي الذي يطال مدنيين عزلاً احتموا بالملجأ بقصد النجاة إلا انهم أصبحوا هدفاً لطائرات لا تملك قلباً ولا مشاعر.
ويبدو أن العلاج النفسي لأزمات الحرب لا يقهره إلا الحب …الحب وحده كفيل بأن يزيل عوالق الموت والتشظي العائلي والنفوس المنكسرة التي احتملت اكثر مما يجب.
قد تكون ثيمة الرواية هي هذه الفكرة وقد تكون في ذهن كاتبها فكرة أخرى وربما قادتنا أحداث الرواية لاستبطان مشاعر شخوصها من خلال حبكة بسيطة وغير معقدة ألقت بظلالها من خلال التداعي للحدث الكبير ونتائجه المباشرة على شخوصها.
أبارك لصديقي الشاعر ( الروائي) نعمة حسن علوان منجزه الروائي الأول وإلى مزيد من الإبداع الأدبي