غياب المنطلق الإخراجي لفرضية المتعة البصرية في العرض المسرحي ،حوار مع دكتورة سافرة ناجي
تدوين نيوز – خاص ، في حوار واضح وصريح صوبت الدكتورة سافرة ناجي – الناقدة المسرحية والاستاذة في كلية الفنون الجميلية قسم المسرح جامعة بغداد – برائيها ووجهات نظرها العلمية الرصينة ما آلَ اليه المسرح العراقي في ظل الظروف الراهنة مشخصة بذلك اهم ما يعاني منه الفن المسرحي عن طريق الإجابة على تساؤلات جريدة تدوين نيوز التي طرحتها عليها ، وبدورنا نقدم الشكر الجزيل الى الدكتورة سافرة ناجي التي منحتنا جزاءً من وقتها رغم انشغالاتها الكثيرة
ماهي أسباب تضائل الرقعة الجغرافية المسرحية وانحسارها على المتلقي النخبوي في العراق ، وهل هذا نذير باحتضار الفن المسرحي ؟
ج/ تضاءل الرقعة الجغرافية المسرحية لها مرجعياتها الثقافية ، والاجتماعية ، لان البنية الثقافية العراقية وسلوكياتها ذات مرجعيات طقسية وهو انعكاس لما تعرضت له الشخصية من اضطهاد اثني ومن ثم ما تركت ماكنة الحرب عليها من اثار الترهيب والتخويف ناهيك عن قبضة السلطة الشمولية التي غيبت الحضور الثقافي للمثقف وبالذات المسرح وجعلت منه ذو نسق دعائي وكمالي انحسر وجوده المادي على مركز المدينة وتغيبه عن قاعدته الجماهيرية العريضة ، مما جعل من المسرح خطاب منحسر على رقعة جغرافية محددة وعلى المشتغلين به ، وفي راينا ليس هناك قصور في رسالة المسرح مع كل هذا التضيق عليه ، كما ان هناك عامل سلوكي اخر ساعد انحسار دوره الثقافي الا وهو السلوك التداولي للبنية الاجتماعية ومعطياتها الثقافية التي لا نجد حضورا للسلوك ثقافي او اجتماعي اسمه الذهاب الى المسرح ،وهذا لا يقتصر على المسرح فحسب ،بل لا نجد في نظام العائلة العراقية ان تذهب الى المتحف مثلا او حضور معرض تشكيلي لأنها بنية ثقافية قائمة على الطقسية ، حتى الطبقة المثقفة تفضل الذهاب الى المول او التنزه في مكان اخر ، لذلك لا يمثل حاجة عند هذه البنية ، كل هذه العوامل كان لها الدور في انحسار الرقعة الجغرافية للمسرح .
– في العديد من العروض المسرحية التي قٌدمت على مسارح بغداد نلاحظ عدم الاهتمام بالروية البصرية فهل اصبح العرض المسرحي شكلا فوضويا خاليا من المنظومات الجمالية التي تخلق المتعة البصرية للمتلقي ام ان هناك غاية ما ورائية يراد توصيلها للمتلقي؟
المتعة البصرية في العرض المسرحي لا تتشكل بشكل اعتباطي، وانما هي التجسيد المرئي لفرضية العرض الجمالية ، وبسبب غياب المنطلق الإخراجي لهذه الفرضية التي يمكن لها ان تحقق هذا الحضور والتفاعل مع العرض المسرحي، مما افرز غياب المتعة البصرية، لان صانع العرض هاجسه الاول والاخير أن يقدم العرض باي شكل وتراه منشغلا في توفير ادوات العرض اللوجستية، لذا تراه يقدم رؤيته البصرية بشكل بسيط مما لا يحقق الدهشة ، ولا سيما ونحن نعيش عصر الدهشة التكنولوجية في تداولنا اليومي ، مما يعطل كيمياء التواصل بين المتلقي والعرض المسرحي ،فضلا عن غياب الوعي الجمالي عن اعلب العروض.
– درجت اغلب العروض المسرحية على توظيف النص المكتوب باللهجة المحلية، حتى ان الكثير من النصوص لا تحتكم الى شروط النص المسرحي (الاكاديمي) وقد يشعر المتلقي المعرفي ان هذه النصوص كتبت على عجالة او مرتجلة ، فهل هذا توجه نحو تسقيط او تجاهل اللغة العربية الفصيحة ، وهل هو عزوف عن تناول النص المسرحي العالم المكتوب أيضا باللغة العربية ؟
بما ان المسرح خطاب يشتبك مع الواقع ومتغيراته فانه بالضرورة يكون مستجيب لما يحدث في هذا الواقع ، ولان الهم العراقي والقضايا التي يواجهها وجدت في اللغة المحكية وسيلة تعبير يمكن لها ان تمكن هذا الخطاب من محاكاة مشكلات الانسان العراقي من جانب ومن جانب اخر ان السؤال يحدد هوية المتلقي بـ (المعرفي) وهنا السؤال يفصل ما بين المتلقي العام والخاص ، ومن جانب اخر ان المسرح الاكاديمي يخضع لشروط المفردات المعرفية التي يتحصل عليها طالب الفنون طيلة مدة الدراسة ، لذلك يشترط ان يقدم نصا مسرحيا عالميا او عربي او عراقي شكل رسوخا جماليا في المشهد المسرحي العالمي والعربي والعراق ، بغية الكشف عن المهارات الجمالية لطالب الفنون ، ونادارا جدا ما تجد في عرض اكاديمي بعض المفردات المحلية. ، اما الخطاب المسرحي الاحترافي فله حرية اختيار الملفوظ اللساني الذي يححق له معطيات فرضيته الجمالية ، كما ان الابداع لا يخضع لضرورات الواقع ، بل للضرورات الجمالية التي تتيح له كل الوسائل التي تمكن خطابه من تحقيقي فعل التاثير والاستجابة.
– نشاهد في اغلب العروض المسرحية العراقية الحديثة ، طرق مبتكرة في الليات الأداء المسرحي تعتمد على الصراخ والحركة المفرطة الغير مدروسة مما يؤثر على المنظومات السمعية والبصرية لدى المتلقي وتساهم في خلق حالة من التشتيت الذهني لديه . فما هي العوامل التي ساعدة على خلق مثل هذي الاليات لدى الممثل ؟
اعتقد ان ألالية الصراخ ألية تفتقد الى الابتكار اولا ، وثانيا ان السبب في هذه الظاهرة الادائية هي غياب الوعي للرؤية الاخراجية والادائية على حد سواء ، والتي حتما سيؤدي الى غياب الاسلوب، مما يستنتج من هذه الظاهرة الادائية هو قصور الحجة الجمالية التي ترى في الصراخ افضل وسيلة . فضلا عن ان السبب الرئيسي في شيوع هذه الالية هو الفقر المعرفي لدى كل من المخرج والممثل .
– نلاحظ في اغلب الأحيان ان مدة تقديم العروض المسرحية لا تتجاوز الثلاث أيام ، وهذه المدة قصيرة قياسا ، بالعروض المسرحية في العديد من الدول وبالأخص الاوربية التي تتجاوز مدة العرض المسرحي الواحد اشهر او سنوات ، ويلاحظ أيضا ان اغلب هذه العروض تتنافس للحصول على مكان لها في المهرجانات العربية والعالمية . فهل أثر ذلك على انتاج العرض المسرحي بشكل عام ؟
اولا المقارنة مع الدول الاوربية هي مقارنة غير عادلة وذلك بسبب الفارق الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي وغير ذلك ، ووما تجدر الاشارة اليه ان هذه الظاهرة نشات بعد الغزو الامريكي للعراق عام 2003 وبسبب الوضع الامني الضاغط على حركة المدينة العراقية ولكي يحافظ المسرح على وجوده تحول فيه زمن تقديم العرض من التوقيت المسائي الى النهاري ، والسبب الاخر في شيوع هذه الظاهر في المسرح العراقي هو بسبب الدعم المادي الذي تمارسه الادارة السياسية للبلد ازاء الفعل الثاقي، ولا سيما الفنون ومنها على وجه التحديد المسرح ، ولكي يحافظ المسرحي على حضوره المعنوي والمادي وباضعف الايمان قبل ان يقدم جهود من التمارين التي تمتد لاشهر ان يقدم ثلاثة عروض لثلاثة ايام ، ولم يبقى امامه سوى ان يحارب الموقف السلبي بالمشاركة في المهرجانات، ولو ان المشاركة وبسبب كل هذه العوامل جعلت منها مشاركة متذبذبة، والسبب الرئيس في اعتقادنا ان المسرح العراقي في كل تاريخه لم يسعى الى تاسيس موسم مسرحي (ريبتوار) ولا سيما بعد ان سيطرت الدولة على المسرح وجمدت نشاط الفرق الاهلية. مما كان له الاثر السلبي على انتاج العرض المسرحي الذي يؤسس لايام عرض طويلة.
– من مقومات تصويب العرض المسرحي هو النقد ، فهل يوجد برأيك ناقد (حرفي ) يستطيع ان يضع العرض المسرحي تحت مجهر النقد الاكاديمي المؤسس على الليات النقد ونظرياته ، ام ان النقد اصبح ( انفعال اجتماعي ) يعتمد على علاقة الناقد بفريق العمل ؟
لولا النقد لما كان للمسرح ديمومة التواصل الزمكاني، نعم هناك ناقد مبتكر وليس حرفي كما وصفته في السؤال، لان النقد متن ابداعي لابد من ان يقدم قراءته النقدية التي تكشف عن ملكة الابتكار المعرفي للناقد ، لكن هناك عوامل كثيرة ساهمت في السنوات الاخيرة على ظهور اللا نقد التي ساعدت على شيوعها تكنولوجيا السوشيال ميديا ، وبسبب النشر دون مسؤولية التقويم، اصبح النقد يقوم على انفعال السوشيال الذي يخضع لمزاج لحظة النشر ،اذ اغلب النقود (الفيس بوكية) تفتقر الى الرصانة الجمالية ، وظهر نقاد يعتقدون ان النقد هو شرح للعرض او اقتراحات ساذجة ، في حين النقد هو الكشف عن ملامح النضج الابداعي للعرض المسرحي وتعضيد فكري لرؤاه الجمالية . ناهيك عن ان صانع العرض لا يقبل النقد لانه يعتقد ويؤمن بقانون المؤامرة لذلك تجده يراوح في فرضياته الجمالية .
– من متابعتنا للكثير من العروض المسرحية العراقية ، لاحظنا ان العرض المسرحي بكل مفردتاه لم يتخطى أزمات الشارع ،بل هو تكرار او اجترار لما يدور في الشارع من أزمات .نحن نتفق على ان المسرح يأخذ مادته الرئيسية من الواقع الا انه يعيد انتاجها وفقا لأليات الخلق والابتكار ، فهل هو استسهال في تناول المادة كما هي ام انه كسل المبدع في خلق عرض مسرحي يساهم في تشظي الازمة وإيجاد الحلول لها ؟
نعم هناك اسستسهال مستفحل في كل شيء . وصحيح جدا ان الشارع / الواقع مادة المسرح لكن هذا الواقع على المسرح هو ليس نسخ له وانما تماثل معه، اي بمعنى ما يجب ان يكون عليه ، ولا سيما وان الفكر المسرحي هو فكر يستشرف المستقبل، اي انه يقرأ هذا الواقع يحلله ومن ثم يستنتج ما سيكون، ولان لكل عصر موقفه الفلسفي لذلك عندما يكون للمبدع موقف فلسفي فقطعا سيكون الموقف الجمالي باسلوب مغاير يستطيع ان يستقرء ازمات الواقع ويقترح لها رؤى ، اي انه هنا يمسرح هذا الواقع ، اما اذا كان المبدع فقير معرفيا فانه يعيد انتاج الواقع بصورة سيىة جدا ، وهذا احد الاسباب التي ادت الى ابتعاد المسرح عن حاضنته الجماهيرية
– هل كثرة المهرجانات تخلق حالة مسرحية صحية وكذلك ارتقاء بالذائقة المسرحية ، رغم اننا لاحظنا في بعض المهرجانات دعوة عروض مسرحية متدنية بعضها لا يمت صلة بالعرض المسرحي ؟
فلسفة اقامة المهرجان هي لاتشبه فلسفة الريبتوار المسرحي ، لان للمهرجان عدد من الاهداف يسعى الى تحقيها منها تعريف العاملين في المسرح على نظريات الابتكار المسرحي العالمية وتحولات المشهد المسرحي العالمي، بوصف ان المسرح خطاب كوني يمثل قاسم مشترك لكل الثقافات العالمية بفرق تفاصليل المحاكاة والاسلوب، فضلا على انه علامة على فاعلية الحراك المسرحي في هذا البلد او ذاك والتعريف بالمشهد المسرحي فيه ، اعتقد ان تلقي العرض المسرحي هو لايشبه سلوك التبضع الذي يرضي المزاج الخاص ، لذلك الجزم بان هذا العرض متدني ولا ينتمي الى العرض المسرحي هو قرار حكم جائر بعض الشيء لماذا؟ لان العرض المسرحي اليوم ومع طروحات ما بعد الحداثة وانهيار السرديات الكبرى التي رسخت من فكرة ان المسرح هاضم لكل العلوم والفنون لذلك اصبح العرض المسرحي اليوم يحتوي كل انساق التعبير ، وعليه عندما تجد هناك عرضا مسرحيا قد اطاح بمركزية عنصر لا يعني هذا انه عرض متدني .