قراءة نقدية لرواية “ظل الملاك”
بقلم الكاتب والشاعر حميد الساعدي

تدوين نيوز – خاص

ظل الملاك ، والعيش بتابوت
صدرت مؤخراً رواية الكاتب سعد عودة (ظل الملاك)، عن دار وتريات ،وهي الإصدار الروائي الرابع للكاتب، الذي عرفناه شاعراً، دؤوباً مخلصاً لقصيدته، تنقل بين ألوان القصيدة، بعمودها وتفعيلتها ونثريتها وقد أجادها شعراً ونثرا ، وكتب القصة القصيرة، والنصوص المسرحية؛ ولا أعتقد أن دخوله عالم الرواية سيسلخه من هذا التنوع الأدبي، بل هو عالم رديف ومكمّل لهويته الإبداعية شعرياً وسرديا.
كيف يمكن لإنسان حيّ أن يعيش في تابوت؟
هذا هو السؤال الأول الذي انطلق في ذهني، وأنا أبدأ بقراءة الرواية التي تمتد على مساحة ٢٢٢ صفحة.
قد تبدو الفكرة غريبة لأول وهلة، ولكن ما إن تقدمت بالقراءة، حتى بدأت الخطوط بالتشكل تدريجياً، لتفتح عن عالمين متوازيين في بنية الرواية، كان حجر الزاوية فيهما (المرأة)، وقد مثلت كل من (مريم ووسام) و(ريم ورائد) إنبعاثات البطلين وتماهيهما مع ظليِّن متقاربيّن من حيث مسافة الوصول بقصد الاحتواء العاطفي، وتحقيق الوجود الإنساني بثنائيته بين الرجل والمرأة، والذي يصطدم بعقبات لها أول وليس لها آخر، حيث الوجود المأزوم بكل تناقضاته.
تمزج الرواية من خلال هذين المحورين، وعبر سردٍ مكثف عن إحباطات البطليّن، في الوصول إلى المبتغى، من خلال شبكة العلاقات المتنافرة، اجتماعياً ودينياً وعرفياً، ويدخل فيها الوضع العام والفساد، على خط المواجهة، ليرسم انحداراً هائلاً، للشخصيتين الرئيستين في الرواية.
بنظرةٍ سريعة وبعنوانٍ يضعه الكاتب(قيامة أخرى لجان دارك) يسرد وسام قصته مع مريم، ويجعل من مسرحية ( جان آنوي) مدخلاً لقصة حبه لمريم وهي تشاركه الدور المسرحي بتمثيل شخصية جان دارك في أكاديمية الفنون الجميلة، ليمضي بنا بهذه العلاقة وما تمخض عنها من آلام نتيجة اختلاف الدين بين الشخصيتين.
ويعنون الفصل الذي يليه ( جبة الشيطان _ موت آخر للوركا) حيث يتناول سرد علاقة رائد مع ريم؛ رائد المسكون بالشعر هو وثلاثة من أصدقائه الشعراء، الذين سموا أنفسهم( جماعة الأربعة)، حيث يعانون الفاقة المستمرة والمصير المجهول إلى أن يحدث ما يزلزل كياناتهم بحدثٍ يؤججه مقتل والد ريم الشاعر المتصدي والفاضح للعناصر الوصولية والمتسلقة في الوسط الأدبي، فتبدأ المغامرة الكبرى التي يعيشها الشعراء الأربعة وخامستهم ريم بعد الحادثة.
ولي أن أُثَبِّت ثلاث ملاحظات نابعة من قراءتي الشخصية(فلا أستعير من النقد مفاهيمه ومصطلحاته) وتتمثل :
١. اللغة :
لغة الرواية لغة سلسة خالية من التعقيد، تمتد بنسقٍ يحقق حالة من التلاؤم بين الشخصية وحواراتها الداخلية والخارجية، كما أن لغة الوصف والاستطرادات على لسان الشخصيات، هي لغة صافية خالية من الحشو والزوائد.
٢. البناء الروائي :
أو معمار الرواية، بُني بطريقة سردية تناول فيها وسام سرد قصته مع مريم، فيما تولى رائد سرد قصته مع ريم بطريقة تقابل الأحداث من وجهة نظر الراوييّن وهي أشبه بحالة انعكاس الصورة في المرايا، بإسلوبٍ سلسٍ ومشوِّق .
أما الخاتمة، فكان فيها إعادة ترتيب لمصائر شخصيات الرواية، برؤية فنية عالية.
٣. الثيمة :
ثيمة الرواية وطبيعة معالجتها للحدث تنبع من رؤية الكاتب في البحث في قاع المجتمع، عن اشخاص نراهم يومياً، ولكن لا ندري أي قصص يحملون في صدورهم وأي أسرار ساقتهم إلى التهاوي، والكاتب هنا غوّاص يبحث عن لآلئ القاع التي يصعد بها بمخيلة متوهجة، وهذا ما كان في عمله الروائي السابق (نعل مقلوب) الذي اتخذ من حادثة حريق دار المشردات مادةً لروايته.
لا أريد أن أحرق على القارئ متعة القراءة، وأدع له التوغل بتفاصيل الرواية، انما أردت أن أشير بتحية إلى الصديق الكاتب سعد عودة، وهو يواصل مشواره الإبداعي بمشغله المتنوع.