قصيدة ” أنا مهووسةٌ بانتشال الصورة ” للشاعرة التونسية اسيا السخير
تدوين نيوز – خاص
أنا مهووسةٌ بانتشال الصورة
من براثن وحشةِ الغرفِ المظلمة
أشكِّلها بمزاجي
كأن أجدع أنفَ الرجل المتعجرفِ فيها
(اخترت صورةً يتيمة من بين الصور الآلافِ المفجعةِ التي تنهمر يوميًّا على عالمي وكأن العالمَ صار مسرحًا فقط للدماء المهدورةِ غدرًا)
أجل، أنا سأقطع أنفَه رغم قرفي
وأضع مكان عينيه شطري قلبِه الأسودين
اللذين لا يريان
ثم أربت على وجع المرأةِ الحزينة
رغم ضحكتِها القاحلة التي مالت معها شفتُها السفلى
والتي تقول إحدى وكالاتُ أخبارِ دولةٍ شقيقة
إنها ذُبحت من الوريد إلى الوريد
(أنا أعني بمن تم ذبحُه الاثنتين: المرأةَ الجميلةَ وضحكتَها الموؤودةَ)
أجل هو ذبحها من الوريد إلى الوريد
على غرار ما فعله بطلُ إدغار آلن پو في حكاية قطِّه الأسودِ
ثم قطع رأسَها
على بُعد صرخات مخنوقةٍ
لشقيٍّ آخرَ في عالم الغيابِ لم يتجاوز بعد سنتَه الحزينة
سأُطيِّر الصورةَ نحو المسافاتِ الضائعة
وأنسى هذا الوجعَ الذي يعصر الروح…
أنا مهووسةٌ بمطاردة الألوانِ البريئة
التي تتقوقع في مكامن تفاصيلَ ضبابيةٍ
تظل على مسافات مغشيٍّ عليها
مهما توضَّحت لنا الرؤى
بعضُ الأسرارِ تظل عصِيَّةً على افتضاضها
مهما تهيأ لنا أننا وصلنا أخيرًا إلى منتهاها
ولكننا مع ذلك لا يتملَّكنا اليأسُ
أنا مهووسة بمحاولة تخبئة اللحظةِ المارقة
في رحم ضوئها العميمِ الذي لا يختلف في واقع الأمر
عن الظلام الدامسِ
أنا مسؤولةٌ عن تفشيِّ بعضِ أسراري “المخجلةِ” بشكل ما
التي أضعها في ركن سحيق
يبحث عن حقه في معانقة شعاع تائهٍ عن مجرَّته
ولكنه يزداد حلكةً
مهما كان النهار سرمدًا
نحن لا نتقن غير استعراض ما ضاء فينا
نحن لا نخفي سوى ما كان
مخجلًا فينا
و”من كان منكم بريئا من أيِّ خساسة تُذكر”
فليرمني بكل صفاقةٍ بفضائله
عسى أن أكرهني
عسى أن اتوب عن عشقي لي
رغم كلِّ نُقصاني الفادحِ…
أنا متهمةٌ بعشق جنوني الفارهِ
ومُتيَّمةٌ
وأنا متهمة، أيضٌا، بخيانة مساراتي النائية
وأنا
أنظر إلى نفسي في عقم صمتِ الحائط المرآةِ
وأحضن كمدَه
ولا تصفعني سوى صرخةٍ مشنوقة
لا أقدر على تهدئة روعِها…