قصيدة ” لِرُوحِ مَهدي الخَزرَجيِّ أَلف سَلام ” بقلم : يَحيَى غَازِي الأَمِيريِّ
تدوين نيوز – خاص
لَمْ يذعَنْ وَلَمْ يَنقاد
رغمَ كُلِّ أعاصِيرِ القَمعِ
وَ بَشاعة أساليِب التَعذِيبِ وَ الرعبِ
وَهي تحَومُ كالأشباح حول الأعناقِ
لمْ تَستطعْ
أنْ تخمدَ ضوءَ قِنديلِ
التحدِّي وَالإباءِ مَهدي…..
مَهدي ، يَا نَقيَّ الضَّمير
أَيُّها المُتفاني حُبَّاً صَادِقاً
لِنُصرَةِ الحَقِّ
أَيُّها الدؤوب
التائِقُ بشغفٍ للحُريَّةِ
وَالمُساواةِ وَالعَدلِ
لَمْ تَزَلْ قُلوبنا
إِلى اليَومِ يَا صَدِيقي
تَبحثُ في أضابيرِ المَوتِ
وَدهاليزِ أَقبيةِ المَنُون
وَمقابرِ المجازرِ السِّريةِ
فِي جَوفِ الأَرض
وَأَحواضِ إذابةِ الأَجَساد البشريّة
لكن لَمِ نَعثُر عَلَى رمسٍ
يَحمِلُ اسمَك
لِنذرفَ دَمعَةٍ
وَنَضعُ وَردةَ ودٍّ حمراء
كُلَّما اشتاقتْ النَفسُ
لِصَديحِ صَوتك،
أَو لإشراقهِ رَسمك.
فَقَطْ وَرَقةً مَمهورَةً
بإمضاءِ شُركاءِ الجَبهةِ **
– وَالتي كانَتْ فِريَةً وَ خدعَةً كَبيرَة –
تَلاها ـــ ضابطٌ بالأَمْنِ ـــ عَلَى شَقِيقك نَاجي-
نصاً مشؤوماً مُدون فِيه:
بأَمرٍ رئاسِيّ
بِمقاصِلِ المَوت
كَما صُلبَ السَّيدُ المَسيحُ
قَد تَمَ صلبك!
مَع تحذيرٍ (شَفويّ) شَديدِ اللَهَجة
بـ { ِمَنعِ البُكاء بالعَلنِ،
أَو إِقامة مأتم للعزاءِ بالسرِّ}
أَكتُبُ إِليكَ يَا صاحِبي
بِمدادِ قَلبِي
لِذا سَتَراهُ مَمزوجاً
بَيْنَ الحُبِ وَالحَنينِ
وَ الوَجَع ، والأَنين
فَقَد غَادرتُ بلادَنا مُجبراً
مُنذُ عَقدينِ مِنْ الزَمَن
أَعِيشُ مُتَغَرِباً غَرِيباً
فِي أَقصَى شَمال الأَرضِ
فِيما تَركتُ رُوحي هائِمةً
تُرفرفُ وَتَحومُ
فَوقَ بَساتين النَخِيلِ
وَهامات قَصب بلادِ النَهرينِ
بَعْدَ أَن رَفَضَتْ أَن تَبرح المَكان
وَتُفارق الخلان
يَا صاحِبي :
لَمْ يَزَلْ وَطننا إِلى الآن
مُضطَرِبَ الجِنان
نازفاً حَدَّ الهَلعِ
مِنْ هَولِ ما أَصابهُ مِنْ كثرِ القروح
أضحتْ نـُدوبـاً نازفـةً،
وَأصوات مكتومة
أضحى وطننا يا مهــــــدي
تُعشعشُ فِيه الحُروب
وتفتكُ في ربوعهِ أَفةُ الخَراب
وَ تَقاسمَ ثَرواته سلباً وَنَهبِاً ونَصباً
شِلَلٌ جاءتْ مَع دبابات العِمِ سام
وَجُلهم مِن اللصُوصِ المحترفين
تَصَور فَي ليلةٍ وَضَحاها
مَقامُ نَبيّ الله (يُونس) وَالمنارةُ الحَدباء
أَصبَحتا أَثراً بَعْدَ عَين
وَأَكثرَ مِنْ أَلفي طالبٍ أَسيرٍ
لمدرسةٍ عسكريةٍ
تَمَّ تَقسيمُ طَريقةِ قَتلهم
بدمٍ باردٍ
توزعَ بَيْنَ الذَّبحِ مِن الوَرِيدِ للوَريدِ
وَ القتل برَصاصةٍ بالرَّأسِ
أو الدفن بشكلٍ جماعيّ
بحفرٍ كبيرةٍ وَهم أَحياء
لا تَندهشْ، وَبذاتِ الوَقتِ
أُخذتْ عَنوةً مِنْ قِلاع أَشور
سِتة آلافِ امرأة وَطفلة سَبايا
إلى اليومِ لَمْ يَزلْ نِصفُ عَدَدِهُنَ
يُباعُ في سوقِ النِخاسة
لكِنْ
رغمَ المَوتِ المُحدِقِ فِي كُلِّ لحظةٍ
لَمْ يَرضخْ أو يَهجع أو يَستكين غَضَبُ الشَّعبِ
فِفِي تَشريِن ***
هَبَّ عُمومُ الشَّعبِ
باِنتفاضةٍ عارِمةٍ
دفعَ فِيها بِسَبعمائَةِ شَهِيد
وَأَكثرُ مِنْ عِشرين أَلفِ جَريح
سَيَبقى وَهجُ سِراجِ صُمودِكَ
حَدّ الجُودِ بالنَّفسِ
دَرساً بَليغاً
بالإيثارِ
يُضيءُ دُروبَ الجموعِ
الثائِرةِ لِلتحرُّرِ
مِنْ الذّلِّ وَالهَوانِ
وَالصادحة بِغَضبٍ
وَعزمٍ صادق
وَالساعيةِ
لِتَحطيمِ القيودِ
وَ كشف زَيفِ الوعودِ
لاِنعِتاقِ الإنسان
مِنْ تَسلطِ سَطوةِ
الجَهلِ وَ الحِرمانِ
وَ العَسفِ وَ الطُّغيان.
كتبت في مالمو / السويد في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2020
هوامش توضيحية متعلقة بالنص المنشور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في عام (2004) كنت قد كتبت عن صديقي وزميلي ورفيقي (مهدي حمد الخزرجي) مقالة من ثلاثة حلقات بعنوان ( أكتب إلى مهدي وعيون مهدي وضحكات مهدي ) ونشرتها مع مجموعة من الصور، التي تجمعنا مع بعض في العديد من المنافذ الإعلامية.
مَهدي حَمد حسين الخزرجيّ : مِن مَواليد مَدينة العزيزية/ واسط (1951) خريج المَعهد الزراعي الفني بغداد / أبو غريب عام (1973) ، عضو فِي تنظيم ( الحزب الشيوعي العراقي) عَمل موظفاً فِي (وزارة الزراعة)، غَير مُتزوج، حَصل على قبولٍ لتكملةِ دراسته العليا من (جمهورية رومانيا) (عام 1976) وسافر، إلى (رومانيا) وأكمل السنة الدراسية الأولى، وفي عطلة السنة الدراسية الثانية عام (1978) عاد لزيارة أهله ومعارفه في العراق، ومعه مجموعة أخرى من (الشيوعيين) الدارسين في الخارج؛ لَمْ تَسمحْ لهم (السلطات الأمنية العراقية ) بالسفر، شَمل المَنع (جميع الطلبة العائدين من الخارج والمنتمين للحزب الشيوعي العراقي ) (إلا أن يوقع) كل واحد منهم على استمارة انتماء إلى (حزب البعث) إذ تم سحب جوازات سفرهم، من مديرية الجوازات، وأودعت في (مديرية الأمن العامة)، فحاول (الحزب الشيوعي العراقي)، وكان حليفاً (لحزب البعث) في (جبهة وطنية) مساعدتهم وتدخل لدى السلطات الحاكمة، فَلَمْ يَفلحْ، مما أضطر قسم من الطلبة (الشيوعيين) الإذعان وتوقيع انتماء إلى تنظيم حزب البعث، فسمحَ لهم بالسفر!. وبقي صديقي (مهدي) ولا أعرف من بقيَّ معه صامداً رافضاً للتوقيع والانتماء (لحزب البعث)، بعد فترة من الزمن، كان فيها يعيش متخفياً، أُلقيَّ القبض عليه، وبقي عدة سنوات في سجون (الأَمن العامة)، إلى أن أُبلغ عن إعدامه (شقيقه ناجي) في مدينة (العزيزية) – أَعتقد – عام (1983) لمٍ تسلمِ (جثته) ومنع من أقامة أي مأتم عزاء حتى في داخل الدار؛ في هذه الفترة الزمنية كانت (طاحونة الموت) تدور رحاها على طول جبهة بحدود (1200)كم أنها سنوات (الحرب العراقية – الإيرانية) التي امتدت إلى ثمانية أعوام من 1980- 1988.
** الجَبهةِ: تلكَ الفِريَة وَالخدعَة الكَبيرة، وَالتي راحَ ضَحيتها ألاف الأبرياء مِن الشيوعيين وَمناصريهم؛ وَالمقصود بالجَبهة : (الجَبهة الوطنية والقومية التقدمية) وهو التحالف الذي أُعلن عنه رسمياً (ببغداد) في ( 16 تموز 1973) بَيْنَ (حزب البعث العربي الاشتراكي) الماسك بقوة بمقاليد السلطة والحكم و(الحزب الشيوعي العراقي) وكانَ واضحاً قد بدء الانهيار (لتحالف الجبهة) بالتسارع في عام (1978) ففيه بداية انقضاض التنظيمات الحزبية والمؤسسات الأمنية لـ (حزب البعث) بشكل عنيف جداً على أعضاء ومؤيدين (الحزب الشيوعي العراقي) حليفه في الجَبهةِ!
*** أنتفاضة تشرين : انتفضت تسعة محافظات عراقية بانتفاضة عارمة في( تشرين الأول / أكتوبر 2019 ) وشملت المحافظات ( بغداد، بابل، كربلاء، النجف ، القادسية، المثنى ، واسط، ذي قار ،البصرة) أطاحت بحكومة عادل عبد المهدي.