” كان معي الصنوبر “مقال للدكتور حسن السوداني عن الكاتب المسرحي والروائي السويدي ” بير أولف أنغفيست

الدكتور حسن السوداني

يعد – بير اولف انغفست –  احد أعمدة المسرح السويدي المعاصر ومن كتابه الذي لفتوا الانتباه بشكل مبكر منذ النصف الأول من القرن الماضي وبرع كثيرا في الدراما التسجيلية ونال عنها ارفع الجوائز في السويد والدول الاسكندنافية محققا سمعة واسعة بعد كل عمل درامي يكتبه للمسرح او السينما او التلفزيون فضلا عن كتابته الرواية,

 ولعل روايته المهمة التي حملت اسم ( المحاربون) كانت العلامة الفارقة في كتابة الدراما الوثائقية في دول الشمال ونال عنها اهم جائزة أدبية لتلك الدول.

 ولد انكفست في جنوب بوتنا قبل عام واحد من وفاة والده اولف انكفس  O. Enquist وتعهدت تربيته امه  ماريا ليندغرين  المعلمة الحاذقة التي فاضت محبتها وشخصيتها التربوية على ابنها انغفست لتخرجه من عالم الوحدة والعزلة المكانية التي فرضتها طبيعة عيش الاسرة في جنوب بوتن المكتظة بالغابات ذات الأشجار العالية.. عن تلك المرحلة المبكرة من حياته كتب انغفست

(اذا كان المرء يولد في عمق الغابة بين الاشجار و الارض الامنة, فلا يمكنه ان يجد رفيقا, لكن الغابة كلها كانت لي ومنحتني شخصية قوية وثابتة .. لم اكن وحيدا  .. كان معي الصنوبر..)

 في شبابه اهتم انغفست بالرياضة التي مارسها وحقق انجازات جيدة في رياضة الوثب العالي لكنه انشغل في اكمال تحصيله العلمي ليحصل على الماجستير من جامعة اوبسالا ليعمل بعدها المحرر والناقد الثقافي في جريدة سنفسكا داكبلادت وجريدة الاكسبرسن.عشق انغفست حياة البحث والترحال والتنقل بين المدن الاوربية بدائها من برلين الغربية الى امريكا وتحديدا في لوس انجلس ليعمل استاذا زائرا في جامعة كاليفورنيا ثم في العاصمة الدنماركية كوبنهاكن.

بدأت الاوساط الادبية والثقافية تلتفت إلى نتاجاته الأدبية بعد إصداره رواية(العين الكرستالية)  في عام 1961 ثم ألحقها بروايته ( اختراق) 1964 . الا ان روايته (شتاء ماكنتستور الخامسMagnetisörens femte vinter ) كانت الابرز في رحتله المبكرة في الكتابة لتتحول الى فليم سينمائي يعد من الأفلام البارزة في السينما السويدية ومن إخراج السويدي مارتون هنيريكسون ومن تمثيل رولف ليزكورد  واوله ليمكا بعد اجراء تعديلات على أماكن الأحداث في الرواية, وتدور أهم أحداثها عن  قصة قدوم السيد فردردش ماكنتستور الى المدينة مدعيا انه طبيب يعالج الأمراض المستعصية ليقوم بعلاج الطفلة ماري  ابنة احد أطباء المدينة المشهورين (كلاوس سناهلينكر) التي أصيبت بالعمى منذ سن العاشرة ليحصل بعد نجاحه في علاجها على سمعة كبيرة في المدينة باعتباره(صانع المعجزات ) ليتوافد عليه الناس بغرض علاجهم . الا ان الأمر يتحول تدريجيا بعد ان يكتشف الناس ان فردردش الدجال يقوم بالاعتداء الجنسي على مرضاه ليقدم الى المحاكمة في نهاية الرواية .

الا ان العالمية كانت بانتظاره بعد اتمامه كتابته الرواية الاكثر شهرة  (المحاربون) وهي من النوع الوثائقي تتحدث عن مأساة حقيقية وقعت بعد الحرب العالمية الثانية في السويد وتدور احداثها عن دول البلطيق التي كانت تتمتع بالاستقلال بعد الحرب الكونية الاولى لتحتل من قبل الألمان في الحرب الثانية مابين 1941-1944 , تلك الفترة التي جند فيها النازيون المئات من ابناء هذه الدول في المعارك ضد الاتحاد السوفيتي, وبعد انهيار الألمان وانتصار السوفيت هرب العديد من أولائك الجنود الى السويد كملاذ امن بعد حرب ضروس الا ان السوفيت طالبوا بهم كمجرمي حرب الآمر الذي استجابة له السويد عبر وزير خارجيتها انذاك اوستن اوندن ووافقت على تسليم أولائك الفارين إلى الدولة السوفيتية في 11 نوذمبر 1946 على ظهر السفينة بيلوستروف من ميناء ترلبوري. ولما حملته الرواية من حقائق واقعية وتحليل دقيق للاحداث فقد حصلت الرواية على استحسان القراء وحصلت على جائزة دول الشمال للآداب عام 1969 وحولت إلى فليم عام 1970 من سيناريو الكاتب نفسه واخراج يوهان بريكنسترول Johan Bergenstråhle  وحمل الفيلم عنوان (مأساة البلطيق). كتب انغفست للمسرح و للسينما والتلفزيون كما طرزت مسيرته الادبية عشرات المؤلفات المهمة منها( الطريق, كاتدرائية في مينوخ, الملاك, مكتبة الكابتن نيمو, رحلة لويس, اخر الحياة, سر الكهف الثالث وغيرها من الاعمال الادبية المهمة, واشترك مع المخرج السويدي الاشهر سترنبيرغ وكتب عنه فليم وثائقي حمل عنوان ( حياة سترنبيرغ) كما كتب نص فليم (كابيتنو) Capitano وفليم (Hamsun) وهو انتاج سويدي دنماركين نروجي مشترك وحصل على افضل فليم سويدي عام 1996. وبعد كتابته المسلسل التلفزيوني الشهير(Tribadernas natt)  حصد شهرة عالمية كبيرة ايضا  بعد عرضه في الكثير من تلفزيونات العالم . كما كتب انغفست نص مسرحية (صناع الصورة ) الذي اخرجها سترينبيرغ للمسرح الملكي السويدي وكتب عنها قائلا “(لذلك اخذت تلك الباقة من يده وسلمتها الى انغريد داهليرغ الشخص الوحيد الذي يستطيع ان يوضبها.. لذلك انا فقط حصلت على الزهرة التي اريد) ” تدور أحداث هذه المسرحية عن حياة الكاتبة السويدية (سلمى لاغرلوف) الحاصلة على جائزة نوبل للاداب عام 1909  والتي عاشت تجربة مؤلمة مع والدها مدمن الكحول لتخلق المسرحية نوعا من الاحساس القوي بالذنب في علاقتها مع والدها تلك العلاقة التي ستكون دافعا مهما في خلق الابداع الادبي لديها فيما بعد. وقد أدت دور سلمى لاغرلوف الممثلة السويدية Anita Björk

مازال انغفست يتمتع بالفعل بالاهتمام من نقاد المسرح السويدي لما قدمه من روائع ستبقى خالدة في تاريخ هذا البلد الاسكندنافي الغافي على بحر البلطيق .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى