الجهل …. وطريق التنمية
بقلم / عصام حسن العلي
بالأمس القريب تناقلت وسائل الاعلام وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي عن قيام مجموعة قوامها 500 رجلا ينتمون لعشيرة ما بالاستعراض في مدينة الصدر مستخدمة أنواع مختلفة من الأسلحة وأستمر استعراضها ساعات معدودة تحت أنظار الحكومة وقوات الامن .
وبالأمس القريب أيضا أعلن رئيس الوزراء العراقي السيد محمد اشياع السوداني وفي مؤتمر حضرته عشر دول عن طريق التنمية الذي سيربط الشرق بالغرب وبأن هذا المشروع سيحقق قفزة اقتصادية نوعية للعراق على وجه الخصوص وللدول الإقليمية والمجاورة للعراق بشكل عام .
والمتتبع لحركة السيد السوداني وادائه منذ تسنمه السلطة الى يومنا هذا سيشد على يده بحزم ويهنئه على ما أنجز نظرا لما يراه المتتبع من جدية في التعامل مع الكثير من القضايا.
زياراته الميدانية والاطلاع على سير العمل في بعض مؤسسات الدولة تشير الى ان الرجل عقد العزم على تخليص العراق من الشوائب التي تعيق تقدمه وبناءه وانه مصر على جعل العراق دولة مهمة لها دورها السياسي والاقتصادي بين دول المنطقة . والسؤال هنا هل يكفي هذا لتحقيق التنمية ؟
والان أعود إلى الاستعراض العشائري الذي حدث في الامس القريب ، وبالتأكيد هو ليس الأول من نوعه في العراق ، فغالبا ما نرى ونسمع الكثير من النزاعات العشائرية التي تحدث في العديد من محافظات العراق ، ولا يتوقف الامر على النزاعات بل أخذت العشائر وخاصة القريبة من بعض المؤسسات الحكومية وبعض المواقع الاثرية تفرض سلطتها عن طريق تهديد هذي المؤسسات واخذ الاتاوات منها واجبارهم على تعيين أبناء العشيرة في هذه المؤسسات ومن يعترض سيلقى حتفه كما يحدث في البصرة وفي مناطق أخرى ، وكذلك سيطرت بعضُ العشائر على الأراضي القريبة من المواقع الاثرية كملك صرف واستثمارها او بيعها كقطع أراضي زراعية ، وكذلك فرض شروط على أي مستثمر يرغب في دعم قطاع السياحة والاستثمار به بتهديد حياته ان لم ينفذ ما تطلبه العشائر ، وتأكيدا لما يدور وخاصة في مدينة الناصرية عند مدينة أور الاثرية ،اطلب من رئيس الوزراء التوجه بالسؤال عن ذلك لأمين عام رئاسة الوزراء او القيام بزيارة لهذه المواقع والاطلاع عن قرب بما يدور هناك .
النمو الاقتصادي وكل طرق التنمية تحتاج الى دولة حقيقة ، دولة لا يحكمها غير حكومة منتخبة تعمل من اجل تطوير البلد ، وبعيدا عن دور الأحزاب وتقاسمهم خيرات العراق والتوافقات التي تحدث بينهم فقد مللنا الحديث عن هذا الموضوع ولم يعد هناك شيءٌ مخفي ، لعلي اثير سؤال مهم للسيد رئيس الوزراء وأقول : هل العراق دولة ؟
لقد اكدنا مرارا على ان العراق لا يملك قوام دولة في المفهوم السياسي الحديث ، والسبب الرئيسي هو السلاح المنفلت الذي يملكه نصف المجتمع العراقي بين أحزاب وعشائر وافراد ، ولا يمكن ان يكون العراق دولة وهناك سلطتان تحكمانه ، السلطة الشرعية المتمثلة بالحكومة والعشائر التي فرضت سلطتها على المجتمع ، فما قيمة مشروع تنموي كطريق التنمية الذي يمر من جنوب العراق الى شماله قاطعا مساحات كبيرة تمتلكها العشائر التي بالتأكيد ستفرض اتاوات عليه وبطرق همجية تحاول تخريب المشروع تحت تهديد سلاحهم .
وقبل الشروع بأي مشروع تنموي تنوي أقامته عليك يا سيادة رئيس الوزراء سحب السلاح المنفلت من الشارع وتحجيم دور العشائر في بنية المجتمع ، فلا قيمة لما تفعل وستذهب كل جهودك ادراج الريح ، استعن بالجيش ليقوم بالتفتيش في كل محافظات العراق ، الجنوبية والغربية في منازل المواطنين والعشائر لسحب السلاح وحتى لو تطلب الامر وقتاً طويلا فان ما ستقوم به يترتب عليه تنمية حقيقة تطمئن المستثمر بالقدوم الى العراق ، ليكن السلاح محصورا فقط بيد الدولة ، لا أحزاب ولا عشائر ولا مواطن وسحب كافة اجازات الأسلحة من أي مواطن ، وأن لم تفعل فأعلم انك تقود بلدا لا يملك شكل الدولة الحقيقة .
وكدولة ، اذا أردت ان تطلق على العراق هذا الاسم في الوقت الحالي عليك بإعادة بناء المواطن وفق معاير خاصة توازي حجم التنمية المنشودة ، ولتصحيح مسارات المجتمع التي انحرفت بسلوكها نحو الجهل ، يجب ان تستخدم العقوبات والغرامات الرادعة التي تعود بالمجتمع الى مساره الطبيعي ، ولا بأس من الاستفادة من التجارب العالمية وبالأخص التجربة السنغافورية في الارتقاء بالمجتمع وتطويره ومن ثم النهوض بالتنمية الاقتصادية .
الاستقرار الداخلي كفيل باستقطاب رؤوس الأموال والنهوض بالواقع الاقتصادي ، هناك العشرات بل المئات من الخطط التي تستطيع الارتقاء بالمجتمع ، وهناك الكثير من الطاقات البشرية التي تمتلك المواهب المختلفة التي تساهم في أي تطوير يجعل العراق في مصاف الدول المتقدمة ، لابد من استثمارها ،ولابد من احداث ثورة اجتماعية جديدة هدفها ، النهوض والانتماء للعراق فقط ، وليس لعشيرة ما او حزب ما ،فالعدو الحقيقي للتنمية والنهوض بها هو الجهل المتفشي في المجتمع العراقي.