” كل قصير مظلوم ” رؤية فنية عن الفلم القصير للاديبة المغربية منى وفيق
تدوين نيوز – خاص
قصيرة هي الأفلام القصيرة ، وقصيرة هي القصص القصيرة ، أما روحهما فطويلة إلى أن يرضى الإبداع ويرتضي الجمهور
——————————
– راقٍ فنيّا ، مؤثر برمزيته العالية ومكثف جماليا كما لو أنّه قصيدة هايكو.هكذا هو الفيلم القصير ، يعالج قضايا إنسانيّة ملحّة دون أن يحتاج غالبا إلى حوار ، بفضل قدرته التعبيرية البصرية المدهشة مع أنه صعب التنفيذ فعلا رغم قصر مدة عرضه.
الفيلم القصير عالم فنّي خاص وخالص ، متميّز بقدرته على لعب دور ثقافي وإعلامي ، مختلف عن غيره من الفنون . وهو “السهل الممتنع”، مظلوم عربيا رغم كل الجهود الفرديّة المبذولة للنهوض به كفن سينمائي مستقل ، لأنه لا يصل إلى شريحة واسعة من المشاهدين إذ لا توجد سوق له بسبب مدة عرضه القصيرة والتي لا تغطي ساعات بث وليست تكفي لقيام عروض مدفوعة ،إضافة إلى أنه يُعرض فقط في المهرجانات والأسابيع الثقافية ومناسبات معينة كما أنه لا يلقى الدعم المطلوب من إنتاج وتمويل وتسويق يكفل تأسيسه واستمراره كفنّ قائم بذاته ومغاير وحديث نوعا ما.
لنا أن نشعر بالغيرة كالعادة من الدول الأجنبية المتفوقة سينمائيا ليس وحسب لتقدمها في إنتاج الأفلام القصيرة الروائية والتسجيلية والوثائقية ، ليس فقط لبراعة صانعيها ومهاراتهم في طرح ومعالجة الفكرة بصريا ، ولا لإدراكها العميق لمدى أهمية الفيلم القصير ، وليس أيضا لتخصيص صالات مخصصة فقط لعروض الفيلم القصير وقيامها بالترويج له وإفراد مساحات زمنية كافية لتمكين الجمهور من الاستمتاع به وتذوقه كما ينبغي.وإنما أيضا لسعيها المستمر إلى الاعتناء بالروح الإنسانية من خلال إيجاد فسحة ضوء جديدة ترشد الإنسان إلى طريق الجمال و تساعده على إنتاج رؤى إنسانية جديدة.
إن أرفع جائزة عالمية ” الأوسكار” تقدم ٣ اوسكارات لافضل فيلم قصير في فئات الفيلم الروائي والوثائقي والرسوم المتحركة ، في حين اننا في العالم العربي لا زلنا نبحث عن طريقة ما لعرض الأفلام القصيرة ، بل لإيجاد منتج لا يهرب من هكذا مغامرة فنيّة ولا يتخوف من عدم إقبال المشاهد العربي الذي يجهل إلى حد كبير ماهية الفيلم القصير.
صناعة الأفلام القصيرة جزء حيوي من الصناعة السينمائية وهي مساحة خصبة ومفتوحة أمام المخرجين الشباب لمعالجة قضاياهم الخاصة وقضايا جيل بكامله متهم بكونه جيلا مُدَجنا .
تملأني الغبطة عندما أسمع عن مخرجات شابات انتقلن من التصوير الفوتوغرافي إلى إخراج الأفلام القصيرة خصوصا في دول الخليج ، يطرحن في أعمالهن قضايا حساسة ويعالجنها من زوايا إنسانية متعددة.وأجد فكرة تحول الفوتوغرافيين والرسامين والقصاصين والنحاتين وعازفي البيانو و راقصات الباليه وو.. نحو إخراج الافلام القصيرة مستقبلا فكرة ممكنة جدا ومدهشة.واعتقد ان الفيلم القصير سيكون على موعد لتوقيع التوأمة مع عدد من الفنون ومجالات الإبداع ، ولربما نجد شاعرا يخرج إلينا بقصيدة جديدة مرفقة بفيلم قصير يكمّلها وهكذا دواليك ..
لم لا نبدأ من الآن ، نزيد عدد القاعات السينمائية، نعرض الافلام القصيرة الى جانب الافلام الطويلة في القاعات السينمائية وعلى مدار السنة ،نحاكي أوروبا وكندا في وضع قانون يجبر قاعات السينما على عرض فيلمين قصيرين او ثلاثة قبل عرض اي فيلم طويل ، ولم لا نضيف مادة دراسية تخص السينما القصيرة لنصل إلى فصول تعنى بالسينما الروائية الطويلة..
الشباب العربي شغوف بإثبات كينونته و على أوسع نطاق و إذا ما قمنا بتشجيع ثقافة الأفلام القصيرة برغبة وجهد حقيقين فسوف نحقق على المدى المتوسط حضورا سينمائيا عالميا ، ومن يدري قد نسمع في يوم ليس ببعيد عن اسم عربي فائز بجائزة الاوسكار للفيلم القصير ، وحينها يكون الفيلم القصير المظلوم قد قطف الجائزة الأعلى .
————————————-
الحكاية هي أصل كل إبداع ، ومن هنا فالقصة القصيرة هي أصل الفنون ، تحكي وتفتح في نفس الوقت مجالات واسع للتجريب والتجديد في البناء واللغة والفكرة والرؤية الفنية .
والقصة القصيرة – أدبيا – مظلومة شأن الفيلم القصير – سينمائيا – . صحيح أنها الجنس الأدبي الأكثر مراوغة وتركيبا وجمالا وذكاء لكن مشكلتها الأكبر هي أن حضورها يتراجع أمام اتساع المشهد الروائي.
ومثلما يتوجه مخرجو الأفلام القصيرة إلى إخراج الافلام الطويلة يتوجه كتاب القصة القصيرة الى كتابة الرواية ، ليس لتقصيرها في إيصال الرسالة الفكرية وانما تماشيا مع متطلبات سوق الكتاب ، كما انها تشهر الكاتب اكثر مما تفعل القصة وجوائز الرواية وورش كتاباتها ومهرجاناتها وندواتها الكثيرة عالميا وعربيا عكس القصة القصيرة التي أصبحت أشبه بتمارين سردية قبل الولوج لعالم الرواية.
كل قصير مظلوم ..
وكل قصير ، مظلوم..