المسرح العراقي بين الإزاحة والثبات في ظل الظروف الراهنة، حوار مع الفنان الدكتور عزيز جبر الساعدي

د.عزيز جبر الساعدي ممثل ومخرج وكاتب

الفنان عزيز جبر الساعدي

تدوين نيوز – خاص

من دواعي الاهتمام بالمظاهر الحياتية في العراق وتسليط الضوء عليها ، ارتأت جريدة تدوين نيوز ان تفتح باب الحوار حول المسرح العراقي في ما له وما عليه وسبل الارتقاء به  بعد ان تغيرت الكثير من آلياته تحت وطأة الظروف التي مر بها العراق ، وقد توجهت الجريدة  بطرح مجموعة من الأسئلة  على السادة الافاضل المعنيين بالشأن المسرحي العراقي ، وستنشر هذه الحوارات تباعاً وحسب ما وردت . وتتقدم الجريدة بالشكر والامتنان لكل السادة الفنانين المساهمين في هذه الحوارات

ماهي أسباب تضائل الرقعة الجغرافية المسرحية وانحسارها على المتلقي النخبوي في العراق ، وهل هذا نذير باحتضار الفن ؟

علينا الاعتراف اولا ان الفن بالعراق وخصوصا المسرح قد يمرض ولكنه لم يموت . ذلك ما افرزته التجربة التي عشناها ,  لان العاملين المخلصين الواعين (القلة طبعا)يجتهدون كل يوم بفعل درامي ينبض بالفكر والقيم الجمالية التي تعيد لنا الامل بان المسرح سينهض من جديد لاسيما اذا توفرت بيئة صحية انتاجيا ومكانيا .ومن ما يؤشر ايضا لسؤالك الذكي هذا , ان المتلقي النخبوي ايضا غير راضي عما يطرح في الآونة الاخيرة .

في العديد من العروض المسرحية التي قٌدمت على مسارح بغداد نلاحظ عدم الاهتمام بالروية البصرية فهل اصبح العرض المسرحي شكلا فوضويا خاليا من المنظومات الجمالية التي تخلق المتعة البصرية للمتلقي ام ان هناك غاية ما ورائية ؟

ليس هناك غاية محدده بالضبط بقدر ما هو ضعف في الانتاج اولا ,وقلة الخبرة  الا ما ندر عند بعض الاكاديميين ممن له ممارسة في السينوغرافيا ومكملات العرض ,فأحيانا ترى العرض المسرحي فيه مواصفات جمالية رائعة لكنه لم يجسد حكاية النص ورؤية المخرج قاصرة عن استنباط افكار مغايرة للنص او تحاكي النص ,وهذه الاشكالية هي التي جعلت الفوضوية في الشكل ,,فمعظم عروض (الدراما دانس) او عروض (الكيروكراف) التي تهتم بأيقاع حركة الاجساد واظهار المرونة الجسدية لدى معظم الشباب الان .تهتم  بالشكل وصعوبة فهم ما يريده المخرج .وهذه مشكلة كبيرة تبعد الجمهور عن ارتياد المسرح كما تفضلت في سؤالك الاول .

درجت اغلب العروض المسرحية على توظيف النص المكتوب باللهجة المحلية، حتى ان الكثير من النصوص لا تحتكم الى شروط النص المسرحي (الاكاديمي) وقد يشعر المتلقي المعرفي ان هذه النصوص كتبت على عجالة او مرتجلة ، فهل هذا توجه نحو تسقيط او تجاهل اللغة العربية الفصيحة ، وهل هو عزوف عن تناول النص المسرحي العالم المكتوب أيضا باللغة العربية ؟

لكي نكون منصفين ,هذا التوجه ليس تسقيط متعمد او تجاهل اللغة العربية ,بل هناك اسباب كثيرة .منها عزوف المشاهد لرؤية المسرحيات باللغة العربية الفصحى ,(الا ماندر) .و تسرع المخرجين الشباب  لأثبات ذاتهم في الحراك الثقافي بجملة تستهويهم او بمشهد يعبر عما يشعرون به,, الامر الذي يجعل النصوص مفككة وهجينة ,اضافة الى ضعف دربة ومران القراءة لدى معظم العاملين في المسرح المحلي كما يسمى ..واحيانا يأتي النص هجين بين الفصحى والعامية للاسف ..

نشاهد في اغلب العروض المسرحية العراقية الحديثة ، طرق مبتكرة في الليات الأداء المسرحي تعتمد على الصراخ والحركة المفرطة الغير مدروسة مما يؤثر على المنظومات السمعية والبصرية لدى المتلقي وتساهم في خلق حالة من التشتيت الذهني لديه . فما هي العوامل التي ساعدة على خلق مثل هذي الاليات لدى الممثل ؟

قد يرتبط هذا السؤال بما تقدم في السؤال السابق ,فالصراخ والحركة غير المدروسة سببها عدم التأني في قراءة النصوص واستلهام الفكرة الفلسفية  في النص والذي يستهوي الممثل ان يخرج عن أداء دوره دون فهمه لطبيعة الشخصية الذي يطلب منه المخرج تجسيدها (والسبب الرئيس طبعا ضعف قيادة المخرج ) ورغبة الممثل بإضحاك الجمهور ومحاولته احيانا انه يتسامى في حالة صمت الجمهور …وهذه الحالة صارت عدوى للأسف للكثير من العروض المسرحية .

– نلاحظ في اغلب الأحيان ان مدة تقديم  العروض المسرحية لا تتجاوز الثلاث أيام ، وهذي المدة قصيرة قياسا ، بالعروض المسرحية في العديد من الدول وبالأخص الاوربية التي تتجاوز مدة العرض المسرحي الواحد اشهر او سنوات ، ويلاحظ أيضا ان اغلب هذه العروض تتنافس للحصول على مكان للها في المهرجانات العربية والعالمية . فهل أثر ذلك على انتاج العرض المسرحي بشكل عام ؟

أنا اوعز ذلك لما ياتي

اولا عدم ثقة العرض المسرحي  بالاستمرار من قبل الدائرة او الجهة التي تنتجه وكانه اسقاط فرض.

ثانيا : ضعف الاعلام والترويج للعرض المسرحي بوسائل الاعلام المختلفة

ثالثا : الغالبية للأسف ممن يمول هذا العرض او ذاك من اجل ان يشارك في مهرجانات عربية ولا يهمهم حضور الجمهور او ما كتب عنه  في الصحف ,وهذا بالتأكيد يؤثر على انتاج العروض المسرحية لاسيما اذا ما علمنا ان ظروف العمل وتمريناته في بيئة غير مستقرة وهذا ما لاحظته عندما كنت رئيسا للجنة فحص النصوص لمهرجان المسرح العراقي السادس بمشاركة معظم محافظات القطر .شاهدت مع اللجنة ما يقارب من70 عرض لم نجد مما هو صالح للعرض سوى 5 عروض . وقس غلى ذلك فقر مسرحنا في المحافظات وفي بغداد ..

من مقومات تصويب العرض المسرحي هو النقد ، فهل يوجد برأيك ناقد (حرفي ) يستطيع ان يضع العرض المسرحي تحت مجهر النقد الاكاديمي المؤسس على الليات النقد ونظرياته ، ام ان النقد اصبح ( انفعال اجتماعي ) يعتمد على علاقة الناقد بفريق العمل ؟ – من متابعتنا للكثير من ؟

غياب النقد المسرحي تماما من  الساحة الفنية وكل ما يكتب عن العروض اليوم نقدا انطباعيا ,لايخلو من مجاملة واضحة ,ومحاولة البعض من مثقفينا وليس نقادنا بمفهوم الدراسات النظرية وتطبيقها على العروض يهز من قيمة النقد العلمي الذي يبتعد عن المحسوبية والمنسوبية التي كان يقوم بها نقادنا السابقين أمثال (ياسين النصير ,حسب الله يحى,واخرون ) اليوم النقد مصطلحات رنانة  وجمل إنشائية كما يفعلها كاتب هذه السطور احيانا ههههه

– هل كثرة المهرجانات تخلق حالة مسرحية صحية وكذلك ارتقاء بالذائقة المسرحية ، رغم اننا لاحظنا في بعض المهرجانات دعوة عروض مسرحية متدنية بعضها لا يمت صلة بالعرض المسرحي ؟

كثير من المهرجانات وما يقدم اليوم على خشبات مسارحنا يفتقر الى التخطيط السليم المهرجانات في العراق تطلق اهداف معينه وهي بعيدة عنها فاقامة اي مهرجان يفترض ان يكون له هدف معين وواضح الا اننا في العراق نجد مهرجانات فقيرة بدون انتاج او دعم او جوائز ثمينه تعتمد على المدور من المسرحيات والتكرار بالضيوف والشخصيات،

وليس هذا فقط بل تجد مهرجان تدعمها جهات فنية وبهرجه كبيره في الاضواء والمكان وهو لتقييم الاعمال الدرامية او السينمائية ولا تجد به ما يسد رمق الفنان غير قطعه من الحديد او شهاده تقديرية وصور توزع على السوشيل ميديا جزء من التخطيط الاعلامي للمهرجان،

بل تجد اكثر من جهة تتنافس لإقامة مثل هكذا مهرجانات تقييمية بدون اساس غير ان تسوق نفسها على منجز الاخرين، والاغرب من ذلك كله تتنافس القنوات المنتجة حتى ولو بدفع اموال لاستحصال الفوز بمثل هذه المهرجانات للتسويق الاعلامي للقناة.

نحن بحاجه الى مهرجانات تنتج وتدعم وتجعل من العراق مكانا سياحيا وحيويا ليس على المستوى التاريخي والتراثي وانما حاضرا وان يكون هناك شيء مؤثر وملموس وفاعلون في العطاء ، (كما عبر عن ذلك المخرج عزام صالح) .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى