كيف تميزين بين وحدة طفلك واستقلاليته؟

تتلقى النساء رسائل مباشرة وغير مباشرة، مفادها أن الأم التي لا تعمل ستكون أمًّا أفضل، بالإضافة إلى ضرورة قضاء ساعات طويلة يوميا مع الطفل، بدلا من تركه يلعب وحده أو مع أصدقائه، ما يعزز مشاعر الذنب لدى الأمهات، إذا لاحظن طفلهن يسلي نفسه بنفسه بعيدا عنهن.

أمهات 24 ساعة

بسبب الشعور بالذنب والتوتر الدائمين بشأن قضاء الأمهات وقتا أطول من المطلوب مع أطفالهن، وجد باحثون من جامعتي تورنتو وميريلاند أن الضغط الذي تشعر به الأمهات لقضاء كثير من الوقت مع الأطفال، يضيف عبئا نفسيا وذهنيا على الأمهات، لدرجة أنه قد يجعلهن أمهات أسوأ، مما لو ركزن وقتهن على الاهتمام بأنفسهن وأزواجهن.

كتب الباحثون في تقرير الدراسة أن الأمهات يقضين ما قد يصل إلى 30 ساعة أسبوعيا مع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و11 سنة، ويقل متوسط الساعات إلى ما بين 11 و20 ساعة، إذا وصل أطفالهن إلى سن المراهقة.

قارن الباحثون تلك النتائج مع إحصاءات تعود إلى عام 1975، ووجدوا أن الأمهات في الماضي قضين ما يزيد قليلا على 7 ساعات أسبوعيا مع أطفالهن، وأرجع الباحثون سبب الاختلاف إلى اتجاهات التربية المكثفة في عصرنا الحالي، دون الالتفات إلى تداعيات الإفراط فيها على نفسية الأم، وحرمانها من النوم، وشعورها الدائم بالذنب.

ونتيجة ذلك، تقاوم بعض الأمهات استقلالية أطفالهن، ويحرمنهم من اللعب بمفردهم أو مع الأصدقاء، ويخشين من شعور طفلهن بالوحدة إذا قضى وقتا بمفرده.

على الرغم من حسن النية، فإن دافع الأم لتوجيه طفلها وحمايته، قد يصيبه بالقلق، والاكتئاب (بيكسلز)ما نتيجة الاهتمام المفرط؟

لا تؤذي تلك الأمومة المكثفة الأم وحدها، ففي مارس/آذار الماضي، شارك 3 باحثين متخصصين في نمو الطفل من قسم علم النفس في كلية بوسطن، وكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ولاية يوتا، نتائج مقلقة لدراسة أجروها لاكتشاف أسباب انتشار الاضطرابات العقلية والنفسية بين الأجيال الجديدة.

وأشارت النتائج إلى أن انتشار اضطرابات الصحة العقلية بين الأطفال والمراهقين من الجيل الحالي نتيجة لزيادة اهتمام الوالدين بالطفل، والإشراف والمتابعة المفرطين لنشاطه، وتراجع فرص الطفل في اللعب، والتجول، والمشاركة في أنشطة مستقلة عن مراقبة البالغين.

جاء في تقرير الدراسة أنه على الرغم من حسن النية، فإن دافع الأم لتوجيه طفلها وحمايته، قد يصيبه بالقلق، والاكتئاب.

لذلك نصح الباحثون بزيادة فترات النشاط المستقل للطفل كلما تقدم عمره، وتوجيهه لتقديم مساهمات هادفة لأسرته ومجتمعه، ليشعر بأنه شخص مسؤول، وموثوق به، وقادر على التعامل مع العالم الحقيقي، وليس عالم المدرسة فقط.

ونصح الباحثون أيضا بدعم حرية طفلك لممارسة ألعاب تنطوي على درجة مقبولة من المخاطرة والمسؤولية، بعيدا عن مراقبة البالغين.

وأشار الباحثون إلى نماذج ألعاب مثل تسلق الشجر، وبناء كوخ أعلى الشجر، والقفز العالي، واللعب مع الحيوانات الأليفة، والتسلق بالحبال، وجميعها ألعاب تحمي الطفل من الإصابة بالرهاب، وتقلل من احتمالية إصابته بالقلق، من خلال تعزيز ثقته بنفسه، وتعامله مع مخاوفه منذ سن صغيرة.

الباحثون نصحوا بدعم حرية طفلك لممارسة ألعاب تنطوي على درجة مقبولة من المخاطرة، بعيدا عن مراقبة البالغين (بيكسلز)متى يشعر طفلك بالوحدة؟

ترى بعض الأمهات أن لعب الطفل منفردا، أو تحدثه إلى ألعابه، مجرد محاولة منه للتأقلم مع وحدته، ولذلك رصد “مؤشر الطفولة السعيدة” لعام 2018، نتائج تحليل آراء الأطفال والمراهقين عن شعور الوحدة.

أجرى التحليل باحثون من مركز الإحصاء الوطني البريطاني، واستخدموا نسخة معدلة من مقياس الوحدة الذي ابتكره باحثون بجامعة كاليفورنيا ولوس أنجلوس، ويستخدم المقياس نهجا غير مباشر، لتقييم الشعور بالوحدة، دون استخدام كلمة “الوحدة”، ما جعله مناسبًا للتطبيق مع الأطفال.

سأل الباحثون الأطفال الأسئلة الآتية:

كم مرة تشعر أنه ليس لديك من تتحدث معه؟
كم مرة تشعر أنك مستبعد؟
كم مرة تشعر بضيق ولا تجد من يضمك؟
شعر 11% من الأطفال بين سن 10 و15 عاما بالوحدة، وفق الإجابات، وجمعت عوامل عدة بين هؤلاء الأطفال، منها:

العيش في مدينة صناعية أو خطرة، ولا تتوفر بها أماكن للعب الأطفال، أو شوارع آمنة للتجول.
المعاناة من مرض مزمن أو إعاقة.
انفصال الوالدين، وعيش الطفل مع أحدهما.
التعرض للتنمر والاضطهاد، في حالة الأطفال من عرق، أو دين مختلف عن بقية الأطفال في مجتمعهم.
إفراط الوالدين في الاهتمام بالطفل، ما ترتب عليه انعزاله، وفقدانه مهارة تكوين الصداقات.
انتقال الطفل من مدينته أو مدرسته.
بعض الأمهات يرين أن لعب الطفل منفردًا، أو تحدثه إلى ألعابه، مجرد محاولة منه للتأقلم مع وحدته (بيكسلز)اللعب المستقل الحر

أجرى باحثون من 3 جامعات أسترالية، في عام 2022، دراسة على اللعب المنظم، وغير المنظم، والأنشطة التعليمية، كشفت أن الأمهات يخلطن بين اللعب المنظم والأنشطة التعليمية، ويعتبرن حفظ أغنية، أو العزف على آلة، أو تعلم الطبخ، لعبا، في حين لا يعتبره الطفل كذلك.

أما عن الفرق بين اللعب المنظم وغير المنظم، ففي الأول يشرف أحد الوالدين على الطفل، أما الثاني فيعني لعب الطفل وحده، بلا قواعد، أو مراقبة، مثل ألعاب الأطفال التخيلية، أو تحسس البيئة المحيطة.

اكتشف الباحثون أيضا أن ساعة إضافية يوميا من اللعب غير المنظم في سنوات ما قبل المدرسة مرتبطة بزيادة قدرة الطفل على تنظيم إدراكه ومشاعره، بنسبة 3% إلى 6% بعد 2 و4 سنوات، وتمتد نتائجها الإيجابية طوال العمر.

فمع اللعب المستقل بعيدا عن الوالدين، يطور الأطفال انتباههم أسرع، ويحسنون قدرتهم على الملاحظة، ويتعلمون الصبر، ويضبطون مزاجهم، ويتعاطفون مع ذواتهم ومن حولهم، ويبتكرون حلولا للمشكلات التي تواجههم، وتلك العلامات أسماها الباحثون “مهارات التنظيم الذاتي العاطفي والسلوكي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى